بقلم /دعاء عبد السلام 

 

مقدمة

برز مصطلح “الديانة الإبراهيمية” في السنوات الأخيرة كمشروع فكري–ديني–سياسي، تسوّق له بعض الأوساط الغربية، وارتبط اسمه أحيانًا بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لا سيّما في سياق “اتفاقيات أبراهام” التي أُبرمت بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. ورغم الطابع السلمي الذي يروَّج له هذا المفهوم، إلا أن الكثيرين يرونه ستارًا لمشروع أوسع يعيد تشكيل الهوية الدينية والثقافية في المنطقة بما يتماشى مع أولويات سياسية واقتصادية.

ما هي الديانة الإبراهيمية؟

المقصود بها ليس دينًا جديدًا بالمعنى العقائدي، بل مفهوم يدعو إلى التقريب بين الأديان الثلاثة: الإسلام، والمسيحية، واليهودية، تحت مظلة “الإبراهيمية” – نسبة إلى النبي إبراهيم الذي يُعد شخصية مركزية في الديانات الثلاث.

الطرح الإبراهيمي يسعى إلى تجاوز الصراعات الدينية عبر التأكيد على “القيم المشتركة” مثل السلام، التسامح، وحرية العبادة .

 

ترامب واتفاقيات أبراهام

في عام 2020، قاد دونالد ترامب مبادرة للتطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، أبرزها الإمارات والبحرين، تحت اسم “اتفاقيات أبراهام”. وقد رُوّج لهذه الاتفاقيات باعتبارها ترجمة عملية لفكرة “الإبراهيمية”، حيث تقوم على شراكة اقتصادية وسياسية بين أتباع الديانات الثلاث في الشرق الأوسط.

ترامب قد لا يكون المبادر الفكري لهذا المشروع، لكنه وظّف شعاره بذكاء لتعزيز مشروعه للسلام “الإقليمي”، وربما أيضًا لإرضاء قاعدة إنجيلية تؤمن بأن تقارب اليهود مع العرب يمثل تمهيدًا لعودة المسيح، بحسب معتقداتهم الخاصة.

 

المشروع في صورته الثقافية والدينية

ظهرت مشاريع ثقافية وتجهيزية تدعم هذا المفهوم، مثل “بيت العائلة الإبراهيمية” في أبو ظبي، الذي يضم مسجدًا وكنيسة وكنيسًا يهوديًا في مجمع واحد.

يرى مؤيدو المشروع أنه يعكس التسامح والانفتاح، بينما يعتبره معارضون مدخلًا لتذويب الفوارق الدينية وتشويه الثوابت العقدية، خاصة في ظل تجاهل الاحتلال الإسرائيلي المستمر لفلسطين، وفرض أمر واقع سياسي تحت غطاء ديني.

الانتقادات والرفض

 1. من علماء الدين: اعتُبر المشروع نوعًا من “الخلط بين العقائد” و”تمييع الدين”، حيث لا يمكن توحيد الأديان في منظومة فكرية واحدة دون إلغاء جوهر كل منها.

 2. من المثقفين العرب: حذّروا من أن “الإبراهيمية” تُستخدم كواجهة لتطبيع سياسي واقتصادي مع إسرائيل، مع تهميش القضية الفلسطينية.

 3. على المستوى الشعبي: لم تجد الفكرة صدىً كبيرًا لدى الشعوب، التي رأت في “الديانة الإبراهيمية” محاولة لفرض نموذج ديني–سياسي غريب على هوياتها.

 

الأبعاد السياسية الخفية

المشروع لا ينفصل عن توجهات القوى الكبرى في رسم “شرق أوسط جديد”، حيث يتم إعادة هندسة العلاقات بين الدول، ليس فقط جيوسياسيًا، بل دينيًا وثقافيًا. وقد يُنظر إليه كمحاولة أمريكية للحد من نفوذ الإسلام السياسي، ومحاصرة المفاهيم الدينية التي تشكل تهديدًا للهيمنة الغربية.

 

موقف مصر والعالم العربي

رغم أن بعض الدول العربية شاركت في الاتفاقيات، فإن مصر، بحكم ريادتها الدينية والثقافية، تنظر بحذر لمثل هذه المشاريع، ولا تزال تتمسك بدور الأزهر الشريف كمرجعية مستقلة تعتز بتمايز العقيدة الإسلامية، مع احترام الأديان الأخرى دون دمجها أو تمييعها.

 

خاتمة

الديانة الإبراهيمية ليست مجرد دعوة للتسامح الديني، بل مشروع مركب يحمل في طياته أهدافًا استراتيجية تتعلق بهندسة الهوية الدينية والسياسية في الشرق الأوسط. وبينما يُقدَّم في صورة سلام روحي، فإن خلفياته السياسية تستدعي قراءة نقدية متأنية، تحفظ خصوصية كل دين، وتدافع عن الحقوق التاريخية المشروعة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية