بقلم: د. دعاء عبدالسلام
منذ أشهر، تشهد المنطقة تصعيدًا غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، تجاوز المعارك غير المباشرة والضربات المحدودة، ليأخذ شكلًا من أشكال المواجهة شبه المباشرة. لم يعد الصراع حكرًا على الجبهات التقليدية في سوريا ولبنان، بل بات يمس كل دولة في الشرق الأوسط بدرجات مختلفة.
لكن السؤال الأهم هنا: ما تأثير هذه الحرب على المنطقة؟ وكيف تنعكس على أمن واستقرار دول مثل مصر؟
جذور الصراع ليست جديدة
منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، بدأت العلاقة بينها وبين إسرائيل تتجه نحو العداء التام. إيران، التي تتبنى خطاب “محور المقاومة”، تعتبر إسرائيل دولة احتلال، وتدعم خصومها في غزة ولبنان وسوريا. في المقابل، ترى إسرائيل أن إيران تمثّل تهديدًا وجوديًا، خاصة مع تقدم برنامجها النووي، وانتشار الميليشيات الموالية لها على حدودها الشمالية.
لماذا اشتعلت الحرب الآن؟
الشرارة الأخيرة كانت عندما استهدفت إسرائيل مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، مما أدى إلى مقتل عدد من كبار ضباط الحرس الثوري. إيران ردّت بعدها بهجوم صاروخي مباشر على الأراضي الإسرائيلية – وهو تطور نادر في تاريخ الصراع – ثم تبع ذلك سلسلة من الضربات المتبادلة.
تداعيات الحرب على المنطقة.. ومصر ليست بعيدة
1. تهديد أمن الطاقة
مع ارتفاع وتيرة الحرب، أصبح مضيق هرمز – أحد أهم شرايين تصدير النفط – مهددًا. أي تعطيل فيه سيؤثر على أسعار الطاقة عالميًا، بما في ذلك في مصر، التي تعتمد على استيراد بعض احتياجاتها النفطية، كما يهدد عائدات قناة السويس في حال تراجع حركة الملاحة.
2. توسيع رقعة الصراع
دخول فصائل مسلحة من العراق واليمن ولبنان على خط الحرب قد يؤدي إلى اشتعال جبهات متعددة في المنطقة، مما يرفع احتمالات التورط غير المباشر لدول مثل مصر، خاصة إذا اشتعلت جبهة غزة أو تأثرت سيناء أمنيًا.
3. انعكاسات اقتصادية مباشرة
مصر، التي تواجه تحديات اقتصادية كبيرة، قد تتأثر سلبيًا من تبعات الحرب على الاستقرار الإقليمي، من حيث تراجع الاستثمارات، أو اضطراب سلاسل الإمداد، أو حتى ارتفاع أسعار السلع عالميًا.
4. أمن الحدود الفلسطينية
مصر تتابع بقلق التطورات في غزة، حيث أن أي تصعيد في الجنوب بين إسرائيل والفصائل المدعومة من إيران قد ينعكس مباشرة على معبر رفح وحدود سيناء، ما يضع عبئًا أمنيًا وإنسانيًا على الدولة المصرية.
هل هناك فرصة للتهدئة؟
حتى الآن، لا تبدو هناك نية حقيقية لوقف التصعيد من الطرفين، رغم الوساطات الدولية. إيران تريد تأكيد نفوذها، وإسرائيل ترفض السماح بأي تهديد من حدودها الشمالية أو الجنوبية. ومع ذلك، تلعب دول مثل مصر دورًا مهمًا في محاولة احتواء الأمور، مستفيدة من علاقاتها مع الطرفين، وقدرتها التاريخية على الوساطة.
ليست هذه حربًا بين دولتين فقط، بل هي صراع على النفوذ والسيطرة في منطقة تعاني أصلًا من هشاشة أمنية واقتصادية. وكلما طال أمد الحرب، زادت الكلفة على الجميع، حتى على الدول التي لم تطلق رصاصة واحدة، يبقى الأمل معقودًا على تحرك سياسي جاد، يوقف هذه الدوامة قبل أن تحرق ما تبقّى من استقرار في الشرق الأوسط.
#دعاء_عبدالسلام
التعليقات لا توجد تعليقات
لا توجد تعليقات
إضافة تعليق