وكالات

لم تفلح الولايات المتحدة في تمرير مشروع القرار الذي عرضته على التصويت في مجلس الأمن الدولي في 14 الشهر الجاري من أجل تمديد العمل بالحظر المفروض على إيران بموجب القرار الدولي رقم 2231 والخاص باستيراد وتصدير السلاح التقليدي. وينص القرار المذكور على أن الحظر المشار إليه ينتهي مفعوله في 18 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، أي قبل 15 يوماً من الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وليس سراً أن الإدارة الأميركية تخوض معركة دبلوماسية صعبة في مجلس الأمن وخارجه، في إطار سياسة «الضغوط القصوى» التي تتبعها إزاء إيران. ولذا، فإن الرئيس دونالد ترمب، ووزير خارجيته مايك بومبيو يريدان استخدام كل الوسائل السياسية والدبلوماسية والقانونية المتاحة لهما من أجل تمديد الحظر إلى ما لا نهاية.

وبما أن مشروع القرار الأميركي سقط في مجلس الأمن سقوطاً مدوياً، حيث لم يحظ بتأييد إلا عضو واحد هو جمهورية الدومينيك، فإنهما اختارا «فجوة» في القرار 2231 الذي صدر في عام 2015 وكان بمثابة «تصديق» و«تبنٍّ» للاتفاق النووي المبرم في يوليو (تموز) من العام نفسه. وعنوان هذه الفجوة ما تسمى بالإنجليزية آلية «سناب بك».

تعني هذه الآلية، بموجب منطوق القرار المذكور، أن الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي لها الحق، في حال تبين لها أن إيران انتهكت التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي، في تقديم مشروع قانون يعيد فرض العقوبات الدولية التي رُفعت عن طهران بداية عام 2016 مكافأةً لها على توقيعها للاتفاق. وتسمي الفقرة الخاصة بـ«سناب باك» الدولُ الخمس المعنية «الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا» بـ«الأطراف المشاركة» في الاتفاق النووي، بحيث تخرج منها ألمانيا لأنها ليست دائمة العضوية في مجلس الأمن لكنها حالياً أحد الأعضاء العشرة غير الدائمين.

والحال أن فقهاء القانون الدولي في وزارة الخارجية الأميركية وجدوا في هذه التسمية «الفجوة» التي يبحثون عنها والتي يرون أنها تمكّن واشنطن من استخدام آلية «سناب باك»، بغيتهم، رغم أن الرئيس ترمب سحب توقيع بلاده من الاتفاق في مايو (أيار) من عام 2018، وفرض تباعاً عقوبات متلاحقة على إيران طالت كل قطاعاتها الاقتصادية والمالية.

بيد أن هذا الزعم لا يُرضي الأطراف الأربعة الأخرين الذين يرون أن واشنطن قد فقدت الحق في اللجوء إلى هذه الآلية بسبب انسحابها رسمياً. والرد الأميركي قوامه أن واشنطن انسحبت بالفعل لكنها ما زالت طرفاً «مشاركاً» في الاتفاق، ولم تفقد هذه الصفة رغم الانسحاب لأن «الاتفاق شيء وقرار مجلس الأمن شيء آخر». لكنّ الأوروبيين الأربعة «مع ألمانيا» يعدون أن ما تنوي واشنطن القيام به من شأنه، من جهة، إحداث شرخ عميق في مجلس الأمن، وبين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين التقليديين من جهة أخرى. وكان لافتاً أن بريطانيا التي تعد الأقرب لواشنطن أوروبياً امتنعت عن التصويت في 14 الجاري.

يوم السبت الماضي، أعلن ترمب أن إدارته سوف تلجأ إلى آلية «سناب باك» هذا الأسبوع. لكن الإدارة الأميركية تنوي استخدامها بشكل فريد من نوعه لأنها تعي أن تقديم مشروع قرار جديد إلى مجلس الأمن لمد العمل بحظر السلاح التقليدي لإيران لن يمر، والدليل على ذلك ما حصل في المجلس الأسبوع الماضي. لذا، فإنها وجدت سبيلاً آخر، وهو أن تقوم هي نفسها أو أي عضو آخر في مجلس الأمن يقبل القيام بالمهمة بتقديم مشروع قرار يطالب بتنفيذ ما ينص عليه القرار 2231 حرفياً، أي برفع الحظر عن مبيعات السلاح التقليدي إلى إيران في أكتوبر، ثم تعمد المندوبة الأميركية في مجلس الأمن إلى استخدام حق النقض «فيتو»، ضد المشروع، ما يعني سقوطه وبالتالي استمرار العمل آلياً بالحظر.

وبعد مرور شهر واحد على التصويت، يصبح القرار نافذاً. لذا، فإن الإدارة الأميركية تريد الاستعجال وهي تنوي، كما قال ترمب، اللجوء إلى هذه الآلية الأسبوع الجاري. وإذا حصل التصويت خلاله، فإن الرئيس الأميركي يستطيع أن يؤكد، بمناسبة المؤتمر العام للحزب الجمهوري الذي سيُعقد في 27 أغسطس (آب)، وسيرشح ترمب لولاية ثانية، أنه حقق إنجازاً في مجلس الأمن ومحا الهزيمة الأخيرة ونجح في تقييد حركة إيران وحرمها من أن تصبح حرّة اليدين في شراء السلاح التقليدي أو تصديره حيث تريد.

تقول مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس إن الأطراف الأوروبية الثلاثة «فرنسا وبريطانيا وألمانيا» لم تجد بعد الوسيلة لدرء ما تعده «خطراً داهماً»، وتهديداً للعلاقات الأميركية – الأوروبية وإضعافاً لسلطة مجلس الأمن.

وليس سراً أن الأوروبيين ما زالوا يتمسكون بالاتفاق النووي رغم أن طهران أفرغته من الكثير من مضامينه، إذ تخلت عن سقف تخصيب اليورانيوم المتاح لها وعن الكمية المحدودة من المخصب منه ومن أنواع أجهزة الطرد المركزي القادرة على تشغيلها… إلا أن إيران «ما زالت ضمن الاتفاق وما زالت تؤكد أنها مستعدة للتراجع عن هذه الإجراءات بشروط». وحسب الأوروبيين، فإن هدف ترمب وإدارته هو «إحراج إيران، فإخراجها» من الاتفاق، الأمر الذي يضعها في موقف بالغ الحرج.

وإذا تحقق هذا السيناريو، فلن يستطيع الأوروبيون بعدها القول إنهم ما زالوا متمسكين باتفاق لم يعد موجوداً. لذا، فإن الدبلوماسية الأوروبية تتحرك في كل اتجاه للعثور على مَخرج، وقد ترى في اقتراح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قمة خماسية افتراضية لمناقشة الملف الإيراني «خشبة» النجاة. والمفارقة بالنسبة إلى الأوروبيين أنهم، من جهة، يتخوفون من إطلاق العنان على الغارب لإيران فيما خص السلاح التقليدي بيعاً وشراءً، لما سينتج عنه من تأجيج صراعات المنطقة، ومن جهة أخرى، يعارضون الخطط الأميركية ولا يطرحون بديلاً جدياً. لكن المعضلة أن قمة بوتين ستفقد الكثير من أهميتها إذا رفض ترمب المشاركة فيها، وقد أشار إلى ذلك مؤخراً مفضلاً العودة إليها «بعد الانتخابات» وفق ما صرح به.

ويبدو أن تسرع ترمب باللجوء إلى آلية «سناب باك» غرضه أيضاً قطع الطريق على أي ليونة أميركية لاحقة إزاء إيران في حال انتُخب الديمقراطي جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أن الأخير أعلن أنه من أنصار سياسة «أقل تشدداً» إزاء طهران، وهو ما يراهن عليه الطرف الإيراني الذي اعتمد سياسة «الصبر الاستراتيجي» بمواجهة سياسة «الضغوط القصوى». وبين هؤلاء وأولئك، فقد الأوروبيون بوصلتهم ولن يستطيعوا، مرة أخرى، اللجوء إلى حجة قديمة وهي أنهم كأوروبيين، ملتزمون بالحظر أوروبياً على السلاح لإيران حتى عام 2023.