كتبت: إسراء عماد

تملأ «الكتب، والمؤلفات المصرية»، دكاكين سوق «نهج الدباغين»، أو كما يطلق عليه سوق «الكتب القديمة»، الواقع بين أزقة المدينة العتيقة، والحي الأوروبي الحديث، بتونس العاصمة، فهو مقصد المثقفين والقراء والباحثين، في العديد من العلوم، والمجالات والتخصصات من كافة أنحاء البلاد، وكذلك السائحين والزائرين للمدينة، حيث يجدون فيه ضالتهم، لكونه يزخر بكنوز من المؤلفات، والكتب التاريخية والتراثية النفيسة، وكذلك الشعر والأدب العربي والعالمي، إلى جانب أبحاث ودراسات وتحليلات وكتب نقدية، لأشهر الكُتّاب والمؤلفين، إذ يعد السوق منارة ثقافية مضيئة، في قلب العاصمة.

ووسط تلال من الكتب المُكدَّسة، التي تكاد تلامس أسقف مكتبة «الكتب القديمة»، وهي أقدم المكتبات ب«نهج الدباغين»، يقف صاحب المكتبة العتيقة «العم خالد شتيبة»، بين آلاف الكتب المليئة بالأغبرة، يرمق المارة وينتظر الزبائن التي تندر بشكل ملحوظ؛ بفعل الظروف الاستثنائية، التي يمر بها العالم، جراء انتشار «فيروس كورونا، وما فرضته الجائحة، من إجراءات غيرت من شكل الحياة عامةً، أو ربما تأثرًا بانتشار الإنترنت وسهولة الولوج إلى القراءة الإلكترونية.

وقال «العم خالد»، لمراسل «وكالة أنباء الشرق الأوسط بتونس»، “نهج الدباغين، هو أقدم الأماكن المخصصة لبيع الكتب القديمة والحديثة والمستعملة، بأسعار زهيدة، ويعد متحفًا وأرشيفًا، يُخَلِّد حكايات التاريخ، والتراث والأدب العربي والعالمي، إذ يحوي كتبًا نادرة، تتناول مختلف التخصصات، وبلغات متعددة كالعربية والفرنسية والإنجليزية، وحتى الإيطالية”، وتابع «العم خالد»:  “أنا هنا منذ ما يقرب من 40 عامًا، وهو عمر النهج الذي تغيرت ملامحه من مكان لبيع ودباغة الجلود، إلى قبلة المثقفين والقراء من شتى البقاع”.

وأضاف صاحب السبعين عامً : “يُقبِل القراء والمثقفون هنا على المؤلفات والكتب المصرية، بشكل كبير، حيث تجد جميع المؤلفات لأشهر وأكبر الأدباء والروائيين المصريين، التي يهواها التونسيون والزائرون من بلدان أخرى، إذ يكثر الطلب على الأعمال الأدبية المصرية لأشهر الكُتَّاب مثل:  «الدكتور طه حسين، ونجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس، وتوفيق الحكيم، وعباس محمود العقاد، ومحمود تيمور، وأنيس منصور، ومحمد حسنين هيكل»، وكذلك العديد من الروائيين والكُتَّاب المصريين الجدد”.

وأوضح «العم خالد»: “إلى جانب الكتب والمؤلفات، هنا أيضًا تجد العديد من أعداد المجلات والمطبوعات المصرية، على غرار مجلة «المصور، وآخر ساعة»، وكذلك كتب التاريخ والحضارة المصرية، حيث يقبل عليها الباحثون والقراء والمثقفون، بحثًا عن ما يشبعهم من مواد تحاكي الثقافة والتراث والتاريخ المصري القديم، منه والحديث”.

وبين آلاف الكتب ذات الأوراق المصفرة، المتراصة على سلالم المكتبة، والتي أخفى الغبار بعضًا من معالمها، وطمس الزمن أجزاءً من حروف عناوينها، تقف الأستاذة «هادية سالمي»، مدرسة الأدب والشعر العربي باللغة الفرنسية، لتزيل الغبار عن أحد المجلدات، وتتصفح عناوينها وتقول:  “أهوى الأدب والشعر العربي والمصري على وجه الخصوص، كنت أدرس في الجامعة أعمال الدكتور «طه حسين، وتوفيق الحكيم، ومصطفى لطفي المنفلوطي»، وكنت أقتني تلك الأعمال من من «نهج الدباغين العتيق»، والآن أقوم بتدريس أعمال عمالقة الأدب والشعر المصري، للطلبة التونسيين، حيث ترجمت تلك الأعمال إلى الفرنسية والإنجليزية”.

ومثلما أن هناك مَن يهوى القراءة عبر المواقع والكتب الإلكترونية، من فئة الشباب، تجد أيضًا مَن يستمتع بتصفح الكتب الورقية، ويعشق رائحتها، فتقول «إيمان فاتي»، طالبة جامعية، وتدرس علم النفس:  “هنا في النهج، دائمًا ما أجد ضالتي، لذا أقصده بحثًا عن روايات قديمة، وأعمال أدبية، وكذلك كتب في تخصص علم النفس، كما تعلم «كورونا»، فرض علينا حجرًا طويلاً، وأتيحت لي أوقات أكثر للقراءة، فأنا عاشقة للكتب، خاصةً القديمة منها، وأجد متعتي فيها على عكس تصفح الكتب الإلكترونية”.

وأضافت «إيمان»: “بين شهر مارس الماضي، وقت أن ظهر الفيروس، في البلاد، وحتى وقتنا هذا، قرأت العديد من روايات «نجيب محفوظ»، كما قرأت أيضًا أعمالاً «لإحسان عبد القدوس»، والعديد من الروائيين المصريين الجدد، والكُتَّاب المصريون دائمًا ما يخلقون أجواءً بديعة، يستمتع بها هواة القراءة والمثقفين”.

وبالرغم من توافر الكتب على المواقع الإلكترونية بمختلف اللغات، إلى جانب تطبيقات الكتب المسموعة، التي انتشرت مؤخرًا، ويهواها البعض، إلا أن للكتب الورقية، والمجلات المطبوعة رونقها ومتعتها الخاصة، التي يبحث عنها الكثيرون، ويبدو أن تلك الفرضية هي ما جعلت دكاكين سوق «نهج الدباغين»، وغيرها من أسواق بيع الكتب، في أنحاء الوطن العربي، تقف مقاومة للاندثار، متمردة على التكنولوجيا، والغزو الإلكتروني، الذي حَوَّل اهتمام الناس بعض الشيء.