بقلم / سارة السهيل
الفرص تتفجر من بطن الازمات والكوارث ، كما تتفجر الينابيع من باطن الأرض لتحي الأرض بعد موتها ، والحقيقة ان معظم أراضينا العربية تواجه شبه الموت الاقتصادي في العقود الاخيرة بفعل اعتمادنا على السلع المستوردة من الخارج في كل مفردات حياتنا اليومية من مأكل ومشرب ودواء وتجميل وزينة .
في المقابل هجرنا صناعتنا المحلية وجعلناها على الهامش ، و الأنكى من ذلك كله ان الكثير من الصناعات المحلية في أوطاننا العربية من شركات ومصانع تعمل بنظام الفروع للبراندات الماركات والعلامات التجارية العالمية مما جعلنا تابعين في اقتصادنا لهذه العلامات .
ومن رحم مأساة غزة المحاصرة ، تفجرت الفرصة لمناصرة شعبها الصامد على الأرض بسلاح مقاطعة شعوبنا للسلع والمنتجات الغربية لدعمها لسلطات الاحتلال الاسرائيلي في تدمير غزة وشعبها ، وتوسعت حملات المقاطعة لإحياء البديل الوطني من المنتجات المحلية العربية .
هذه المقاطعة التي خرجت من رحم آلام شعب غزة ، وأدارتها الشعوب العربية من بواعث أخلاقية ودينية وانسانية تحتاج الى استغلال حكيم من جانب الحكومات والمسئولين ورجال الأعمال العرب وتوظيفها لدعم الاقتصاديات الوطنية من خلال ثلاث محاور هي :
المحور الاول يركز على : التوسع في رقعة الانتاج الزراعي والصناعي العربي ، وضخ الاستثمارات الوطنية بهذين الحقلين بدلا من استثمار رجال الاعمال العربي أموالهم بالخارج .
ويمكن لكل قطر عربي انتاج السلع التي يحتاجها شعبه من غذاء ودواء وصناعات وطنية بما يشجع الصناعة المحلية وبعثها حية مجددا كصناعات الملابس والاغطية والمفروشات والمنظفات والمطهرات وأدوات المائدة وغيرها ، على ان يتم ذلك بخطط مدروسة وبعناية فائقة لتؤتي ثمارها بسرعة تحتاجها أوطاننا . على سبيل المثال لا الحصر
فالصمغ العربي الذي يتواجد 70 % منه عالميا بالسودان يمكن للتعاون العربي في استثماره عربيا بإدخاله في العديد من الصناعات كالطباعة وانتاج الطلاء ، والغراء ، ومستحضرات التجميل والعديد من التطبيقات الصناعية الدوائية والغذائية .
والرمل المصري الموجود في سيناء يعد من أنقى انوع الرمل بالعالم ، وهو يمكن توظيفه في تصنيع أشباه الموصلات والسيليكون اللازم لتصنيع الرقائق الاليكترونية .
وتشتهر اليمن بزراعة البن وبعسل النحل الجبلي ويمكن تطوير هذه الزراعات والتوسع فيها وزيادة انتاجها محليا كسلع تنافسية تزدهر بها اليمن ، ويمكن اقامة عدد
من المشروعات الصناعية القائمة على منتجاتها محليا .
المحور الثاني : يركز على استغلال سلاح المقاطعة في دعم الصحة العامة بدولنا العربية ، بالاعتماد على المواد الخامة الصحية المتوفرة في بلادنا مثل استبدال الصابون المستورد والمصنوع من مواد كيمائية بمكونات وطنية لإنتاج الصابون من الغار وزيت الزيتون مثل الصابون النابلسي ، واستبدال البيبسي كولا التي تحتوي كل علبة منها على ما يعادل عشرة معالق سكر ، بمشروبات محلية قليلة السكر ، وبذلك نمنع أمراض السكر و الضغط و الكوليسترول وتوابعها في بلادنا فالمقاطعة لهذه المنتجات الضارة ستؤثر ايجابيا على صحة الناس .حتى انني شاهدت فيديو لرجل امريكي يؤكد وجود لحوم بشرية خاصة لأطفال في لحوم احد المطاعم العالمية المشهورة جدا و التي تم مقاطعتها حاليا بسبب دعمها الصريح للحرب على أطفال غزة.
وأيضا التوقف عن شراء اللحوم المجمدة والمصنعة المستوردة من الخارج والتي لا نعلم طريقة ذبحها وفق الشرائع السماوية أم لا ؟ ولا نعلم طريقها هرسها وفرمها بجلدها وعظامها أم لا ؟ !!! والعودة لطريقة أهالينا في شراء اللحوم الطازجة من الجزار وفرمها أمام أعيننا لضمان سلامتها وجودتها الصحية .
أما المحور الثالث : فيعتمد على قدرة رجال الاعمال الوطنيين في استثمار المقاطعة بضخ اموالهم في استثمارات زراعية وصناعية تقدم بدائل للمنتجات المستوردة وبجودة لها قدرة على المنافسة العالمية ، وهو من شأنه ان يحفظ أموالهم داخل الوطن بدلا من استثماراها بالخارج وحمايتها من التعرض لمخاطر خارجية ، ومن شأنه أيضا فتح مجالات عديدة من الانشطة التجارية الصناعية التي تستقطب الأيدي العاملة المحلية بما يقضي على البطالة ، وايضا يقلص الاعتماد على العملات الاجنبية خاصة الدولار ، ويقوي العملات الوطنية .
في تصوري ، لو أننا أحسنا استغلال سلاح المقاطعة على هذا النحو فانه بإمكاننا ان ندعم اقتصاداتنا الوطنية بما يقوي مركزنا السياسي في العالم الذي يتخذ من مصادر القوة الاقتصادية مرتكزا لقوته السياسية والعسكرية وفرض قراره على الدول النامية .
ويجب الا نغفل أبدا عن حقيقة ان الصهاينة سيطروا على المجتمع الدولي بسلاح الاقتصاد والمال والاعمال ، وبسطوا ايديهم على السوق العالمي وفرضوا كلمتهم القوية عليها من خلال سيطرتهم على البنوك والصناعات .
فعائلات روتشيلد و روكفلر ومورجان دوبونت و بوش وغيرها ممن يسيطرون على الاقتصاد العالمي هم انفسهم الذين يتحكمون في صعود المرشح الرئاسي لقيادة القوى العظمي الامريكية .
من هنا يظل دعم اقتصاديتنا الوطنية ضرورة رئيسية في حماية أمننا الوطني والقومي ، ولدينا كل مقومات النهوض الاقتصادي مواد خام من غاز ونفط وذهب ومعادن وغيرها يمكن توظيفها في صناعات محلية تلبي احتياجات سوقنا العربي الكبير ، ويمكن ايضا الاستفادة من أبنائنا الذين تلقوا احدث نظم التعليم بالخارج وتوظيف علومهم في تطوير منتجاتنا الوطنية .
أتصور ان صناعتنا الوطنية العربية ترتكز على أرضية صلبة من مقومات الصناعة الحديثة ، فالكثير من الدول العربية التي حققت طفرة في الصناعات الهندسية مثل الغسالات والثلاجات والمواقد وغيرها بأيدي وطنية ومستعينة بخبرة أجنبية ، وقد تشربت الأجيال العربية هذه الخبرة وباتت تطور عليها ، ويبقي علينا توطين هذه الصناعات محليا وضخ استثمارات وطنية في تطويرها بجودة عالمية لتلبي احتياجات الداخل العربي والباقي يجد طريقه للسوق العالمي . كما ان صناعة الدواء في الأردن صناعة يشهد لها العالم من تطور وتقنية عالية.
ولابد من مواكبة التحول للإنتاج المحلي زيادة الاهتمام بالبحوث العلمية والصناعية وتوظيف نتائجها في تحقيق طفرة صناعية بأوطاننا العربية ، مع نشر الوعي الاعلامي التسويقي بالمنتجات الوطنية ، والعمل في تغيير انماط الاستهلاك والتسوق في دولنا العربية لكي تتسق مع المنتجات المحلية القومية .
وتحقيق هذا الهدف الاسمي من نهوض صناعتنا واقتصاديتنا العربية مرهون بتوافر جملة من الشروط المهمة منها توافر دعم حقيقي من الحكومات والقطاع الخاص لتقديم منتج جيد الصنع وبسعر تنافسي .
التعليقات لا توجد تعليقات
لا توجد تعليقات
إضافة تعليق