رغم كل الضجة التي أثيرت حول الدبابات القتالية المتقدمة التي حازت عليها أوكرانيا من الغرب الأسبوع الماضي، فإنها لن تكون بمثابة الحل النهائي الذي يسمح لكييف بالانتصار في الحرب. بدلاً من ذلك، فإن الجيش الأميركي سوف يُحاول مرة أخرى إعادة تشكيل جيش على رؤيته الخاصة لمنح أوكرانيا أفضل فرصة لاجتياز الدفاعات الروسية.
للقيام بذلك، لن يكون على الولايات المتحدة وحلفائها فقط توفير الدبابات والمدرعات والذخائر المتقدمة التي وعدت بها حديثاً، وإنما أيضاً توسيع نطاق ما كان عبارة عن «برنامج تدريبي مُخصص» لتعليم الجيش الأوكراني استخدام جميع المعدات الجديدة معاً. وسوف يُشكل ذلك دورة مكثفة للغاية فيما يُسميه الجيش الأميركي «حرب الأسلحة المشتركة»، وهو أمر يستغرق شهوراً إن لم يكن سنوات، حتى تتمكن الوحدات الأميركية من إتقانه.
تعد القرارات المتعلقة بالمساعدات العسكرية الجديدة بمثابة عمل توازني دقيق للبيت الأبيض وحلف الناتو: ففي حين يريدون تزويد كييف بإمكانات جديدة لديها القدرة على اختراق الجمود الراهن في ساحة المعركة، إلا أنهم لا يريدون أيضاً استفزاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتصعيد المعركة إلى حرب أوسع نطاقاً. مع كشف صور الأقمار الصناعية عن بناء الروس لخطوط أساسية وثانوية من الخنادق الدفاعية على طول الخطوط الأمامية، شرع المحللون الحكوميون الأميركيون في التنبؤ خلال السنة بمأزق قاتل كنتيجة محتملة لعام 2023. ومع قلقها من أن الصراع المُجمد يصب في مصلحة روسيا، دخلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في مناقشات أكثر جدية خلال الأسابيع الأخيرة لتحويل المعركة لصالح أوكرانيا. وصرحت فيكتوريا نولاند، من كبار مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية، لمجلس الشيوخ يوم الخميس: «نريد أن نضعهم في أفضل وضع ممكن حتى يتسنى لهم البقاء على خريطة أكثر نفعاً بالنسبة لمستقبلهم على الأمد البعيد، مع شعور بوتين بالفشل الاستراتيجي».
اشتمل جانب كبير من السنة الأولى للصراع على تبادل القصف المدفعي بين روسيا وأوكرانيا لمواقع بعضهما بعضاً، لكن كانت هناك بعض العمليات الميدانية للدبابات. استخدمتها أوكرانيا في هجومها المضاد خارج خاركيف، وهو أكبر نجاح لها، لكن بعض الأسلحة الأكثر أهمية كانت المركبات القتالية المدرعة سريعة الحركة.
لكن في المرحلة التالية من الحرب، سوف يستهدف الجيش الأوكراني خطوط الخنادق الروسية، واختراق هذه الخطوط ليس مجرد تحريك كتيبة من الدبابات فوقها، إنما يتطلب هجوماً منسقاً مع قوات المشاة لتحديد الأهداف، والدبابات التي تطلق النيران على تلك المواقع، والمدفعية التي توفر الغطاء والدعم. الأسلحة المشتركة هذه تعد العمود الفقري للعمليات القتالية العسكرية الأميركية، ومحور التدريب الأكثر كثافة في الجيش الأميركي.
رغم أن الدبابات كانت محط اهتمام، فإن المحللين العسكريين يقولون إن جزءاً هاماً من التبرعات الأخيرة من الغرب قد تكون مركبات «برادلي» القتالية (109 مركبات) التي ترسلها الولايات المتحدة، والعدد الكبير من قطع المدفعية التي سوف يرسلها الحلفاء الأوروبيون. ومن المرجح دمج هذه المعدات مع دبابات «ليوبارد» الألمانية للمساعدة في إنشاء وحدات مدرعة أوكرانية جديدة. وعند وصول الحزمة الكاملة من المعدات الغربية، يمكن لكييف إنشاء ما يصل إلى ثلاثة ألوية إضافية.
قال مايكل كوفمان، خبير الشؤون الروسية لدى «مركز التحليلات البحرية»، في واشنطن: «أهم جزء من المجموعة هو المركبات القتالية المدرعة، والمدفعية، والذخائر الموجهة بدقة. إذ إن الأعداد الصغيرة من الدبابات الموعود بها هي الجزء الأقل أهمية من ذلك».
لضمان قدرة الجيش الأوكراني على مباشرة مثل هذه المناورات، سوف يتطلب ذلك زيادة التدريب الأميركي والأوروبي. فقد تجنبت الولايات المتحدة لأشهر إرسال أنظمة جديدة مُعقدة إلى أوكرانيا تتطلب تدريباً جديداً. وقد تغير هذا الموقف الآن. أولاً أرسلت الولايات المتحدة قطع المدفعية الأميركية، ثم أنظمة الصواريخ بعيدة المدى، ومؤخراً، نظام بطاريات «باتريوت»، وكلها تتطلب التدريب خارج أوكرانيا.
يرجع التردد في بداية الأمر، بصفة جزئية، إلى المخاوف بشأن إخراج الجنود الأوكرانيين من ساحة المعركة، فضلاً عن المخاوف من أن ينظر الكرملين إلى تدريب الولايات المتحدة للجنود الأوكرانيين باعتباره استفزازاً مباشراً. لكن مع التدريب على أنظمة الدفاع الصاروخي «باتريوت» الجاري في أوكلاهوما، والتعليمات على حرب المناورات المكثفة الجارية في موقع التدريب الأميركي في ألمانيا، تلاشت المخاوف الأصلية، كما اعترف مسؤولون عسكريون أميركيون بذلك.
هذه ليست المرة الأولى التي تباشر فيها الولايات المتحدة هذا النوع من التدريب. فقد حاولت الولايات المتحدة، وفشلت، في تعليم الجيش العراقي، وبدرجة أقل، الجيش الأفغاني، هذه التقنيات. لكن أوكرانيا أثبتت مرة بعد أخرى أنها قادرة تقنياً، وقد أظهر جيشها حماساً بالغاً لتعلم كيفية استخدام معدات جديدة.
يقول ستيفن بيدل، البروفسور في جامعة كولومبيا: «لدى الأوكرانيين مجموعة عسكرية رئيسية ومحترفة يقاتلون الروس لسنوات وسنوات، وقد تلقوا تدريباً غربياً حتى سنة 2022. إنهم لا يبدأون من الصفر هناك».
يقول البروفسور بيدل: «الجيوش التي تتمتع بالحافز المناسب ولديها النوع السليم من هيكل القيادة تتأقلم وتتعلم بسرعة كبيرة. هناك وجهة نظر مفادها أن الجيوش لا تتغير أبداً. وهذا هُراء. فهي يمكن أن تتغير بسرعة كبيرة عندما تكون متحفزة وتخضع للتنظيم بصورة صحيحة».
يعتقد بعض المحللين أن السلاح الوحيد الأكثر فعالية، الذي يمكن للولايات المتحدة تقديمه لأوكرانيا هو الصواريخ الموجهة بدقة. إذ يُركز الجيش الأوكراني، عبر التدريب والتقليد، على المدفعية. تلك الخبرة هي التي سمحت لهم بالاستخدام السريع والفعال لنظام صواريخ المدفعية عالية الحركة (HIMARS)، في ضرب مخازن الذخيرة ومراكز القيادة الروسية.
وقد ضبطت روسيا أداءها، فسحبت مراكزها اللوجيستية خارج نطاق نظام (HIMARS). ويمكن لصاروخ أطول مدى وأكثر تقدماً، مثل نظام (ATACMS)، إصابة تلك الأهداف. لكن في الوقت الحالي، صارت الأسلحة التي قد تضرب العمق الروسي غير مطروحة على الطاولة، ويُنظر إليها بأنها قد تثير حفيظة بوتين. وبرغم انفتاح الولايات المتحدة على فكرة تزويد أوكرانيا بأسلحة أكثر قوة خلال فترة الصراع، فإنها ظلت حازمة بشأن هذه النقطة.
اعترف المسؤولون الأميركيون بأن القوة الحقيقية لدبابات «أبرامز» (31 دبابة)، التي أعلنت الولايات المتحدة عن إرسالها إلى أوكرانيا، ستفتح المجال أمام تبرعات أخرى من دبابات «ليوبارد 2» الألمانية، فضلاً عن المزيد من المدفعية ومركبات المشاة القتالية. لكن من غير المحتمل أن تعزز التبرعات الجديدة وحدها القوة القتالية بما يكفي لفوز أوكرانيا بالحرب، لكن مسؤولين ومحللين خارجيين يقولون إنها سوف تُساعد بصورة جوهرية.
من شأن الدبابات اختراق خطوط الخنادق، وفتح طريق للمشاة في مركبات «برادلي» القتالية بُغية السيطرة واستعادة الأراضي.
كما تُرسل الدبابات إشارات مهمة إلى كل من أوكرانيا وروسيا بشأن الدعم الأميركي المستمر. وبالنسبة لروسيا، فإن الدبابات تثبت أن تدفق الأسلحة من الغرب آخذ في النمو ولا يتراجع. أما بالنسبة لأوكرانيا، فإن ذلك يُشكل دفعة معنوية كبيرة كما قالت أندريا كيندال تايلور، المسؤولة السابقة في الاستخبارات الأميركية، التي تعمل الآن في مركز الأمن الأميركي الجديد. والتي أضافت: «إنه تصويت على الثقة بأن الناس لا يزالون مستثمرين في أوكرانيا لاستعادة أراضيها بدلاً من دفعها دفعاً للتفاوض».
* خدمة «نيويورك تايمز»
التعليقات لا توجد تعليقات
لا توجد تعليقات
إضافة تعليق