كتبت: ريهام جمال

ألقى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اليوم، كلمة خلال انعقاد الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، بتشريف الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، استهلها بتوجيه التهنئة إلى الشعب المصري بمناسبة حلول الذكرى الـ 47 لنصر أكتوبر المجيد، مشيراً إلى أنه يمثل نقطة تحول جذرية في تاريخ مصر نحو التقدم والنماء لمصر.

وقال الدكتور مصطفى مدبولي:” ارتبطت هذه المناسبات التاريخية دائماً بكونها فرصة جيدة لكي نجلس معاً، ونسترجع أهم الأحداث التي مرت بها هذه الأمة، مؤكدا أن هذا شيء مهم للغاية كي نتعرف كيف كانت مصر وإلى أين وصلت الآن، وما هي الرؤية المستقبلية لهذه الدولة العظيمة، بما يحقق الهدف الرئيس باستخلاص العِبر، التي من الممكن أن تساعدنا على بناء المستقبل لهذه الأمة”.

واقتبس رئيس مجلس الوزراء عبارة للكاتب محمد حسنين هيكل يقول فيها: “إن الأمم الكبيرة تحيا لكي تتذكر، والأصح أنها تتذكر لكي تحيا .. فتاريخ كل أمة هو خط متصل، وقد يصعد الخط أو يهبط وقد يدور حول نفسه أو ينحني ولكنه لا ينقطع أبداً” .. ليبدأ بهذه العبارة سرد ماذا حدث لمصر على مدار الـ 150 سنة الماضية، وماهي العوامل التي ساهمت في الأوضاع التي نحياها الآن، وما يتم حالياً بمصر من تصحيح للمسار وما هي الرؤية للمستقبل القريب”.

وبدأ الدكتور مصطفى مدبولي استعراضه للتجارب التي مرت بها الدولة خلال الفترة ما بين عامي 1900 حتى 1950، حيث شهد العالم حربين عالميتين وأسوأ أزمة اقتصادية مر بها بدأت منذ عام 1928 واستمرت لفترات طويلة، فضلاً عن ظهور مجموعة من الأوبئة والأمراض أودت بحياة الملايين على مستوى العالم، مستدركا أن ما ميز مصر في هذه الفترة هو أنها كانت بمنأى بطريقة غير مباشرة عن الدخول في تلك الصراعات الكبيرة، حيث لم تكن منغمسة بصورة كاملة في الحروب.

وقال رئيس الوزراء: “بالرغم من الأزمة العالمية الطاحنة كان اقتصاد مصر في هذه الفترة قادراً على الصمود، مؤكدا أن الشكل المميز والقوي الذي كانت عليه مصر في هذه الفترة لم يحدث بين يوم وليلة، بل كان نتاجا لجهد وعمل امتد لفترة بلغت 40 أو 50 عاما قبلها، وجهود الحكام الذين كانوا موجودين قبل هذه الفترة بدءاً من محمد علي الذي يُعرف بمؤسس مصر الحديثة، والخديوي إسماعيل الذي يُعزى إليه العديد من الخطوات الإصلاحية الكبرى، وأيضاً النهضة التنموية الكبرى التي شهدتها مصر في هذه المرحلة”.

واستعرض رئيس الوزراء أرقاما أكد أنها مهمة في ضوء توضيح الرؤية الحالية والمستقبلية، مشيرا في هذا السياق إلى أنه في عام 1900 كان عدد سكان مصر يبلغ 9 ملايين نسمة، وعلى مدار 50 عاما زاد العدد إلى 19 مليونا، ففي 50 سنة زدنا 10 ملايين نسمة فقط، ولم يكن متوسط معدلات النمو في هذه الفترة يتجاوز 2 إلى 3 % كنسبة نمو للاقتصاد، ولكن مع عدد السكان الذي كان موجوداً، كانت هذه النسبة أكثر من كافية لتضمن استقرارا للدولة وحدوث نمو، وكان لدينا فائض في الميزان التجاري وليس عجزاً، وهو ما انعكس على قوة العملة المصرية في هذه الفترة، حيث كان الجنيه المصري يعادل قيمة الجنيه الذهب تقريباً، وكان الدولار حينها يساوي 20 قرشا، والذي يقترب الآن من 16 جنيها، قائلا :” كانت هذه هي الظروف التي عاشتها مصر خلال 50 عاما مضت، مستعرضا تقريرا يرجع لهذه الفترة يشير إلى أن مصر كان لديها أكبر غطاء نقدي في العالم في الفترة من 1926 حتى 1953، وكانت أوقية الذهب تساوي 4 جنيهات مصرية”.

وأكد الدكتور مدبولي أن الاقتصاد المصري في هذه الفترة كان قائماً في الأساس على الزراعة، وكانت مصر تعرف نفسها على أنها دولة زراعية، ولكن كان لديها بدايات صناعة وطنية، مع رجل الاقتصاد الوطني طلعت حرب، ولكن الأهم هو في محصول القطن الاستراتيجي، حيث كانت مصر تزرع منه 1,6 مليون فدان، وكان إنتاجها 6.5 مليون قنطار، مضيفا أن مصر كانت تمتلك أهم بورصة قطن على مستوى العالم، إلى جانب بورصتي القاهرة والإسكندرية، اللتين كانتا في المركز الرابع على مستوى العالم، كما كانت مدن القاهرة والإسكندرية تعد من أجمل مدن العالم، مشيراً إلى أن “القاهرة” فازت بجائزة أفضل مدينة بالعالم في عام 1925، مؤكدًا أنه لكي تصل القاهرة إلى هذا المستوى، وتكون الأجمل حينها كان ذلك نتاج البذرة التي وضعها الخديوي اسماعيل ليبني القاهرة الجديدة والعصرية، في وقت لم يكن موجوداً حينها إلا القاهرة التاريخية بكل مشاكلها وتحدياتها، فكانت الرؤية في إنشاء حاضرة جديدة في هذا الوقت لتصبح بعنوان “مصر الحديثة” استغرقت نحو 50 سنة حتى أصبحت تصنف كأجمل مدينة على مستوى العالم.

وأوضح رئيس الوزراء أن هذه المشاهد التي تحكي تاريخ مصر تشير إلى أن النمو الاقتصادي كان حينها ببساطة شديدة مرتبطا بعدد السكان،  فقدرات الدولة كانت تستوعب هذا العدد، فكان النمو الذي يحدث في الدولة نموا مخططا ومنظما، وبالتالي كان شكل المدن المصرية مميزا، ولم يكن هناك تحدٍ كبير، فمصر كانت تمتلك ثاني أكبر شبكة سكة حديد على مستوى العالم، وكانت هناك وسيلة الترام ووسائل النقل الجماعي الداخلي، كما امتلكت مصر أول محطة طاقة شمسية على مستوى العالم، كما دخلت مصر في إنشاء محطات توليد الكهرباء منذ عام 1924، واستطاعت مصر مع قوة اقتصادها أن تساند دولا كثيرة منها دول أوروبية بعد الحرب العالمية؛ لكي تساعدهم اقتصاديا ًعلى الخروج من الأزمات التي كانت تعاني منها تلك الدول، مستعرضاً لقطة شهيرة لطلب الولايات المتحدة من مصر تقديم معونة لدول أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

كما لفت الدكتور مصطفى مدبولي إلى أنه رغم قوة الاقتصاد في هذه الفترة، إلا أنه كان هناك تركيز على عدد قليل من السكان فقط في تقديم بعض الخدمات، وكان ذلك يعتبر إحدى المشكلات الكبيرة المرتبطة بهذا العصر، بمعنى أن كل عدد الطلبة المقيدين بالجامعة المصرية يبلغ 3596 طالبا في عام 1930 من إجمالي عدد سكان في هذه المرحلة وصل إلى 15 مليون نسمة، وهو عدد قليل كطلبة جامعيين، كما كان هناك فقط 1036 مدرسة في عام 1900 وكان في هذا التاريخ 9 ملايين نسمة، ولذا فقد كان هناك احتياج لعدد مدارس أكثر، وكانت الرؤية حينها التركيز على فئة معينة تقدم لها جميع الخدمات ولا تصل لكل عموم الشعب المصري، وعرض الدكتور مدبولي صوراً للمدارس المصرية في هذا الوقت، في ظل عدد الكثافات البسيطة والخدمات المميزة وقتها.

وأضاف رئيس الوزراء أن عدد الأطباء في عام 1925 كان 136 طبيبا وجراحا و30 صيدلياً، لافتا إلى أنه يمكن القول أن عدد الأطباء بالمقارنة بعدد السكان لم يكن كافياً، ولكن كان لدينا نوعية متميزة جداً من التعليم والأطباء المميزين والمشهورين، ونجح نظام التعليم خلال تلك المرحلة في أن ينجب عباقرة في جميع المجالات والعلوم المختلفة في مصر، ورغم ذلك لم تكن الصورة مثالية، فقد كانت هناك تحديات رغم أن الاقتصاد كان يسير بصورة جيدة مع عدد سكان قليل، فقد كانت معدلات الأمية تتجاوز 85 %، وكان لدينا تركيز شديد للثروة لدى طائفة محدودة من الشعب، ومشاكل كثيرة لدى البقية، كما كانت أعمار المصريين 50 عاما، وهذا يعكس وضع المنظومة الصحية، بينما كان في الدول النامية متوسط الأعمار في الـ 30، مشيراً إلى أن مصر كانت حينها أقرب لأن تكون دولة متقدمة من أن تكون دولة نامية.

ولكن كما أؤكد مع مشاكل وتحديات هذه المرحلة كانت نسبة الفقر في الريف تتجاوز 75%، وكان 0.5 % من سكان الريف يمتلكون 40% من الأراضي الزراعية، فكانت الفجوات في المجتمع المصري تسبب مشكلات كبرى، وتحديا كبيرا في موضوع تقاسم الثروات وتوزيع الثروة وعوائد التنمية في الدولة.

إلى جانب ذلك، أشار الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، في كلمته، إلى أنه عند تقييم الفترة ما بين عام 1950 حتى وقتنا الحالي، سنجد أن الظروف بدأت تختلف وبدأت المعايير الخارجية والداخلية أيضاً تختلف، وبدأ التغير الديموغرافي ليبدأ تسارع معدلات النمو السكاني، وهنا تغير دور الدولة الاجتماعي في كل منظومات الخدمات القائمة في الدولة وهو أمر أدى إلى إلقاء أعباء هائلة على الدولة، مما جعلها على مدار الـ 50 عاما الأخيرة لم تعد قادرة على مواكبة التسارع الكبير جدا في معدلات النمو السكاني، حيث دخلت مصر اعتبارا من عام 1956 بصورة مباشرة في سلسلة من الحروب التي استنزفت مواردها بصورة كبيرة ملحوظة.

وواصل الدكتور مصطفى مدبولي شرح الأوضاع التي تلت ذلك، منوها إلى أن الدولة خلال الفترة من عام 1956 إلى عام 1973، كانت إلى حد ما في حالة حرب مستمرة، وأصبح تركيز وتوجه الدولة فيما بعد حرب 1967 على العمل على إعادة بناء القوات المسلحة وتوجيه كافة موارد الدولة الاقتصادية إلى إعادة بناء الجيش المصري، حتى تمكن في عام 1973 من تحقيق النصر، وهو ما دعا الدولة إلى سحب أية استثمارات كانت موجهة لتنفيذ أية مشروعات تنموية وخدمية كان من المقرر إقامتها، مشيراً إلى أن هذه العوامل مجتمعة أسهمت في الوضع الحالي الذي نشهده حاليا، وعلينا أن نستخلص العبر والدروس المستفادة من هذه الظروف التي وقعت أحداثها خلال الفترات الماضية، سعياً إلى التعامل مع مجمل هذه الأوضاع لوضع رؤى مستقبلية تستطيع مواجهة ما يُستجد من تغيرات.

وركز رئيس الوزراء على المعاناة التي شهدتها مصر؛  بسبب الدمار الكبير الذي خلفته الحروب التي خاضتها وصولا لتحقيق النصر في حرب أكتوبر 1973، منوهاً إلى بعض الأحداث والحوادث الحاكمة والفاصلة، منها ثورة 2011 وما بعدها حتى ثورة 2013، وما شهدتها هذه الفترة من عدم استقرار، مستعرضاً ارتباط هذه الأحداث والحوادث الحرجة التي مرت بها مصر بمعدلات نمو الاقتصاد المصري ومدى تأثير ذلك عليه، لافتاً في الصدد لما شهده النمو الاقتصادي من تراجع، ثم صعود خلال الفترات المتعاقبة من حرب اليمن وعام 1967، مروراً بحرب أكتوبر 73، وحادث اغتيال الرئيس السادات، وحوادث الإرهاب التي عانت منها مصر لفترات كبيرة ولا نزال نواجه هذا التحدي في بعض المناطق، ومنها ما حدث في عام 1990 في مدينة الأقصر، إلى جانب ما شهدته مصر من تداعيات لأحداث 11 سبتمبر وصولاً إلى ثورة 25 يناير، مضيفاً أن مصر حالياً بدأت في استعادة عافيتها الاقتصادية والسير في المسار الصحيح اقتصادياً، حيث تم تحقيق معدلات نمو وصلت إلى 5.6 %، حتى جاءت أزمة كورونا، التي أثرت على العالم بأسره، قائلاً :” ومع ذلك مصر من الدول القليلة جداً التي تعد على أصابع اليد الواحدة على مستوى العالم، التي نجحت في تحقيق نسبة نمو إيجابي خلال هذه الفترة، في الوقت الذي حققت أغلب اقتصاديات العالم نمواً سالباً” .

وأوضح رئيس الوزراء:” أنه حينما نسعى لتقييم الفترة من 1950 إلى 2014، فسنجد أنها شهدت حدوث زيادة حادة في معدلات النمو السكاني بمصر، لافتا إلى أن الفترة من 1900 إلى 1950 ارتفع نمو السكان من 9 ملايين نسمة إلى 19 مليون نسمة، أي أن عدد السكان تضاعف خلال الـ 50 عاماً”.

وأضاف رئيس الوزراء خلال استعراضه لتطور حجم السكان في مصر بداية من القرن العشرين أن ما شهدته الفترة السابقة من تزايد في معدلات النمو السكاني، صاحبه عدم قدرة الدولة على متابعة هذا التحدي، وتنمية القطاعات الخدمية المختلفة بنفس المعدل؛ ونتج عن ذلك وجود تراكمات اقتصادية واجتماعية، وعدم القدرة على التخطيط المستقبلي، وقيام الدولة بالعمل على حل المشكلات القائمة بنظام رد الفعل، وعدم وجود مبادرة ولا رؤية لمستقبل بعيد أو متوسط، مجدداً الاشارة إلى أن الحروب والارهاب كان لهما تأثير شديد على شكل هذه الدولة، وهو ما دعا مصر نتيجة لهذه الظروف إلى الاتجاه إلى الاقتراض، وذلك بعد فترة السبعينيات من القرن الماضي، سعياً لسد عجز الموازنة، مشيراً كذلك إلى الفترة ما بين عام 2011 وعام 2014 التي شهدت عدم استقرار سياسي وخروج رؤوس أموال أجنبية كثيرة، وتراجع الاحتياطي النقدي إلى 13 مليار دولار في عام 2016، الأمر الذي دعا الدولة المصرية إلى تبني برنامج فارق للإصلاح الاقتصادي، مؤكداً أنه سيُحسب لهذه الدولة أنها تبنت هذا البرنامج في مثل هذا التوقيت الحرج، والذي مكن مصر من استعادة وضعها الاقتصادي بصورة جزئية، ومواجهة التحديات الاقتصادية التي شهدتها هذه المرحلة.

كما تناول رئيس الوزراء رصداً لمعدلات الزيادة السكانية بداية من عام 1900، وحتى 2020، مشيراً إلى أن عدد السكان في عام 1900 كان 9 ملايين نسمة، ووصل في 2020 إلى 100 مليون نسمة، مؤكداً أنه لابد من التوقف عند هذه الأرقام بصورة كبيرة، وأن نعي حجم التحدي الكبير الذي يواجه الدولة، مشيراً إلى أن ما يثار من ادعاءات حول أن مصر تنظر إلى الزيادة السكانية على أنها مشكلة كبيرة جداً، وهناك دول تعتبر هذه الزيادة رصيداً إيجابياً لها، مؤكداً في هذا الصدد أن الدولة المصرية تنظر لجميع مواطنيها كإضافة إيجابية لها، لافتا إلى سعي الدولة لإتاحة مختلف الخدمات، بما يلبي احتياجات ومتطلبات،  وتوفير مستوى يضمن جودة حياة هؤلاء المواطنين، حتى يكون المواطن سليماً ومتعافي صحياً وبدنياً ونفسياً، ويكون قادرا على خدمة هذا البلد.

وأشار رئيس الوزراء إلى أننا ننمو على مساحة محدودة للغاية من أرض مصر، وذلك نظراً لارتباطنا بالعديد من الموارد الطبيعية المتاحة، ومنها المياه التي تُعد موردا ثابتا على مدار مئات السنين، وهو ما يُحتم علينا جميعاً السؤال إلى أين سنتوجه خلال العشرين عاما المقبلة، في ظل تضاعف معدلات الزيادة السكانية وثبات الموارد الطبيعية.

وقال رئيس الوزراء:” شهدت الفترة من عام 1950 إلى عام 2000 بصفة عامة نموا سكانيا في كل دول العالم وخاصة في دول العالم النامي، لكن مصر كانت الأعلى معدلا في النمو السكاني بالمقارنة بدول أخرى مجاورة، فمثلا في عام 1970 كان عدد سكان مصر يبلغ 33 مليون نسمة، أما الآن فقد وصل عدد السكان إلى أكثر من 100 مليون نسمة، وبالمقارنة بدول مثل كوريا الجنوبية كان عدد سكانها يقترب من عدد سكان مصر في 1970، بينما وصل عدد سكانها حاليا إلى 51 مليون نسمة فقط”.

كما أن دولة أخرى مثل: تايلاند كان عدد سكانها في عام 1970 يبلغ 37 مليون نسمة، وهو يزيد على عدد سكان مصر حينذاك، في حين وصل هذا العدد حالياً إلى 70 مليون نسمة فقط، ناهيك عن دول العالم المتقدم التي شهدت زيادة طفيفة في معدلات النمو السكاني، خلال هذه الفترة.

وأوضح الدكتور مصطفى مدبولي أنه يسرد هذه الأرقام للدلالة على مسار معدلات النمو السكاني في مصر مقارنة بمعدلات النمو في مختلف دول العالم، فعدد المواليد السنوي في 1950 كان يضاهي هذا العدد في إيطاليا، بينما في عام 1977 أصبح معدل النمو السكاني في مصر يعادل عدد سكان كل من إيطاليا وفرنسا معا، حتى وصلنا إلى عام 2019 ، الذي أصبح فيه عدد سكان مصر يعادل عدد سكان 6 دول أوروبية مجتمعة، وفي نفس الوقت نعي وندرك حجم اقتصاديات هذه الدول المتقدمة وقدراتها، وبمقارنة الأوضاع بين مصر وهذه الدول، كان لابد أن تكون قدرة الاقتصاد المصري ـ لن نقول تماثل قدرة اقتصاد أي دولة من هذه الدول، بل على الأقل أن نمتلك موارد تكفي حاجة السكان في دولتنا لمواجهة تزايد معدل النمو السكاني المضطرد.

ووفقا للأمم المتحدة، فإن معدل المواليد في مصر مقارنة بعدد من الدول المجاورة سواء المتقدمة أو المثيلة في العالم النامي تضاعف، كما تضاعف عدد السكان وعقود الزواج بمعدل مرتين ونصف خلال الـ 40 سنة الماضية، وهو ما أشار إليه أيضا الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ففي حين كان معدل الزيادة السكانية يقاس بمولود كل 20 ثانية، أصبح المعدل يقاس بمولود كل 13 ثانية.

وفيما يتعلق بمقارنة عدد السكان إلى الرُقعة المعمورة من أرض مصر، أشار رئيس مجلس الوزراء في عرضه إلى أن عدد السكان في مصر في عام 1950 بلغ 19 مليون نسمة وكانت الرقعة المعمورة تتراوح ما بين 3,5 % إلى 4% من مساحة مصر، وفي عام 2020 تضاعف عدد السكان 5 مرات، وكان لابد أن يقابل ذلك تضاعف الرُقعة المعمورة لمواجهة هذه الزيادة السكانية، وأن تصل إلى 18% من مساحة مصر، حتى نستطيع أن نعيش على نفس المستوى الذي كان متاحاً للمصريين في عام 1950، من حيث التزاحم، قائلا: رغم حجم المشروعات التنموية الضخم التي تنفذها الدولة، إلا أننا استطعنا فقط أن نضاعف مساحة الرقعة المعمورة إلى 7% من مساحة مصر، وهناك جهود كبيرة غير مسبوقة تقوم بها الدولة في هذا الإطار، إلا أننا ننطلق من محددات طبيعية تحكمنا في عملية التوسع الأفقي، من بينها الموارد المائية، وبعض الموارد الطبيعية الأخرى التي تساهم في هذا التوسع الأفقي.

وقال الدكتور مصطفى مدبولي :” بتقييم ما سبق من خلال البيانات الاقتصادية، ففي عام 1900 بلغت الإيرادات في الموازنة المصرية 10 ملايين جنيه، وكانت المصروفات تصل إلى 10 ملايين جنيه، بينما في عام 1950 وصلت إيرادات الدولة إلى 180 مليون جنيه، في حين كانت المصروفات تبلغ 200 مليون جنيه، وسرعان ما شهدت هذه الأرقام قفزات هائلة خلال السنوات التالية، ففي عام 2000 وصلت الإيرادات إلى 97 مليار جنيه، بينما بلغ الإنفاق 112 مليارا، وشهد العام الحالي 2020 ثمار الجهود الهائلة التي قامت بها الدولة لمضاعفة مواردنا خلال السنوات الأربع الماضية وإعادة حوكمة العديد من الموارد لتنمية القطاعات المختلفة بالدولة، حتى وصلت إلى تريليون و300 مليار جنيه، ولكن احتياجاتنا أصبحت تقترب من تريليون و750 مليار جنيه، بخلاف المنح وسداد الفوائد والقروض التي تتجاوز 550 مليار جنيه، مشيرا إلى أنه من خلال هذه الأرقام نستطيع أن ندرك حجم التحديات التي تواجه الدولة في هذه المرحلة، والعجز في موازنتها.

وكشف رئيس مجلس الوزراء عن أن الزيادة السكانية المضطربة التي شهدتها مصر ما بين عامي 2000 و 2020، والتي بلغت 35 مليون نسمة، جعلت الدولة تضطر إلى رفع حجم الدعم الموجة للمواطنين من 15 مليار جنيه عام 2000 إلى 326 مليارا في العام الحالي؛ لتغطية الاحتياجات الأساسية للمواطنين رغم أنه لا يغطي المستوى الذي ننشده لأهالينا من الاحتياجات، كما أصبح نصيب الفرد من الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية بصفة عامة يبلغ 3230 جنيهاً حالياً، بعد أن كان 227 جنيهاً فقط في عام 2000، كما ارتفع متوسط نصيب الفرد من الإنفاق العام من 1700 جنيه في عام 2000، ليصبح 22 ألفاً و700 جنيه.

كل ذلك ونحن نحاول بذل جهد غير عادي طوال الـ 4 أو 5 سنوات الماضية، وتبدأ مضاعفة موازنتها، ونبرز حجم النمو الهائل الذي يحدث اليوم، لنشير إلى نصيب الفرد من الإنفاق العام حالياً، ولكننا ندرك أن الطريق مازال طويلاً، فلدينا تحديات كبيرة، نحتاج لتحسينها خلال المرحلة القادمة.

كما عرض مدبولي بعض المؤشرات، لافتاً إلى أنه فيما يخص الإنفاق على الصحة، فبعدما كنا ننفق 3.8 مليار في عام 2000، وصلنا إلى 93.5 مليار جنيه في 2020/2021، أما الإنفاق على التعليم بنوعيه الجامعي وما قبل الجامعي، بعدما كنا ننفق 20.4 مليار جنيه، أصبحنا ننفق 158 مليار جنيه، لافتا إلى إحصائية مهمة جداً، تشير إلى أن الدولة تنفق على المواطن منذ ولادته وحتى يصل عمره إلى 20 سنة، وهي فئة النشء ومستقبل الأمة، وعددهم حالياً 44.7 مليون نسمة، مبلغ 13 ألفاً و 100 جنيه سنوياً، لكل واحد منهم، تنفقها الدولة على الخدمات بالأرقام، سواء خدمات تعليمية أو رعاية صحية، أو حماية اجتماعية، وتحسين جودة الحياة، وكذا نصيبه في المرافق والخدمات التي تتم، لافتاً الى ان الدولة إذا كان لديها قدرات أعلى فلن تتردد في زيادة الإنفاق على هذه الفئة المهمة، ولكن إذا كان هذا العدد أقل من ذلك، كيف سيكون مردود هذا المبلغ الضخم إذا خصص لتوفير متطلبات عدد أقل ؟.

وأوضح أن الدولة ما زالت ترى أن الطريق طويلاً، وأنها تحتاج إلى التحرك أسرع وأسرع مما يتم حالياً، لنحاول تغطية الفجوة المتراكمة الرهيبة التي نعاني منها على مدار الـ 40 والـ 50 سنة الماضية.

وسلط رئيس الوزراء الضوء على مقارنة بين نسبة النمو الاقتصادي لمصر وعدد من البلدان، خلال الفترة الأخيرة، لافتا الى أن مصر حققت في 2018/2019 نحو 5.6 % أعلى من بعض الدول، ولكن نتيجة لزيادة عدد السكان الكبير، كان متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي يعادل 3 آلاف جنيه، والدول الأخرى ورغم نسب النمو الأقل، ولكن نتيجة لأن اقتصادها متناسب مع عدد سكانها، كان نصيب الفرد رقماً كبيراً جداً، يصل في كوريا الجنوبية التي كانت دولة نامية في وقت ما مثل مصر إلى 29 ألف جنيه، أي ما يعادل عشرة أمثال نصيب الفرد في مصر، بالرغم من أن معدل النمو في كوريا 2%، بينما في مصر استطعنا أن نصل بمعدل النمو خلال الفترة الماضية إلى 5,6%.

وفيما يتعلق بالواردات المصرية؛ أشار رئيس مجلس الوزراء إلى أنه نتيجة الزيادة الكبيرة في عدد السكان ولتغطية احتياجاتهم الأساسية ونظرا لعدم قدرتنا على التعامل مع كافة التحديات، فنجد أن الميزان التجاري ظل طوال فترة طويلة يعاني عجزا واضحا، ولكن الخطورة تكمن في أن العجز كان يبلغ 9,3 مليار دولار، لكنه يصل حاليا إلى 36,5 مليار جنيه.

وفيما يتعلق بقدرة الدولة على تقديم الخدمات؛ تحدث الدكتور مصطفى مدبولي عن الخدمة الطبية المقدمة للمواطنين، مشيرا في ضوء ذلك إلى أنه في عام 1990 كان هناك طبيب لكل 1513 مواطنا، وفي عام 2000 تحسن الوضع نسبياً، فكان هناك طبيب لكل 755 مواطنا، لكن في عام 2020 شهد تفاوتا في هذا الوضع، وذلك يرجع إلى أن 60% من خريجي كليات الطب في مصر يتجهون للسفر إلى الخارج، وهذا ما دعانا وفق توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى النظر في زيادة أعداد الطلبة في كليات الطب، ولذا فالدولة اتجهت إلى إنشاء الجامعات الحديثة، وأصبح هناك تركيز على المنظومة الطبية لتغطية احتياجاتنا كدولة؛ سواء في الداخل أو في الخارج.

وخلال كلمته ، تطرق رئيس مجلس الوزراء إلى الحديث عن احتياجاتنا من بناء المدارس الجديدة لمواجهة الزيادة الكبيرة في أعداد السكان، لافتا إلى أنه في عام 1953 كان يتوافر بالدولة 5300 مدرسة، أما اليوم فهناك 56 ألف مدرسة، ولا نزال بحاجة إلى بناء المزيد من المدارس؛  لمواجهة الزيادات الكبيرة في أعداد السكان وللتغلب على ارتفاع كثافات الفصول، ولذا فنحن نحتاج إلى عشرات الآلاف من الفصول الجديدة للتغلب على هذه المشكلة، للنزول بمتوسط الكثافة إلى مستوى مقبول، بخلاف الحاجة إلى بناء فصول جديدة أخرى لمواجهة تلك الزيادة الهائلة في معدلات المواليد.

وقال الدكتور مصطفى مدبولي: “وجهت الدولة استثمارات ضخمة لبناء المدارس، وتعيين معلمين جدد، لكن الطريق لايزال طويلا أمامنا للوصول إلى المستوى المنشود من التعليم، مشيرا إلى أن نفس الوضع ينطبق على التعليم الجامعي، ففي عام 1950 كانت مصر لديها 6 جامعات ومعاهد، وأصبح اليوم يتوافر لديها 288 جامعة ومعهدا عاليا وتكنولوجيا تؤدي خدمات للطلاب، وبعد أن كان عدد الطلاب في عام 1950 يبلغ 40 ألف طالب، أصبح عددهم اليوم 3,1 مليون طالب”.

كما تحدث رئيس مجلس الوزراء عن الكثافات المرورية التي نعاني منها منذ عام 1950 وحتى 2014؛ بسبب تفاقم مشكلة المناطق العشوائية وغير الآمنة، فلم تستطع الدولة أن تلاحق في جهودها للتنمية هذا الزحف العشوائي، منوها إلى أن الدولة بذلت جهودا كبيرة خلال السنوات الست الماضية بدءا من عام 2014 بهدف تصحيح المسار، من خلال حجم ضخم من المشروعات تنفذها تصل تكلفتها إلى أكثر من 4 تريليونات جنيه، مشددا على أن ما يعرضه من أرقام يوضح أنه رغم عدد السكان الأقل منذ 100 عام في مصر، ورغم أن الحياة كانت هادئة في نظر الكثيرين، إلا أنه كان هناك أيضا تحديات تواجه الدولة في ذلك الوقت، حيث كانت نسبة الأمية تصل إلى 85% وكانت نسبة الفقر في الريف تبلغ 75%.