كتبت:هبة ميلاد
في غضون أيام معدودة ، تغيبت فتاتان عن أسرتيهما في ظروف مجهولة، وسط اهتمام بالغ من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، في محاولة للبحث عنهما، وإعادتهما إلى ذويهما.
وتمثلت الحالة الأولى في اختفاء فتاة في المرحلة الإعدادية بمحافظة الإسكندرية، أما الأخرى فكانت لطالبة في كلية الصيدلة، مقيمة في مدينة قويسنا بالمنوفية، مع إدعاء البعض بأنهما قد تعرضتا للاختطاف.
لكن عكس التوقعات، عادت الفتاة الأولى إلى أهلها بفضل جهود رجال الأمن، والذين اكتشفوا أنها كانت هاربة عن عمد من بيتها؛ بسبب تعرضها لـ «الضرب بخشبة» من والدها، حتى اضطرت إلى الرحيل متوجهةً إلى القاهرة، لمقابلة شاب تعرفت عليه وتثق فيه، وهناك لم تجده حتى أقامت مع أسرة احتضنتها.
أما طالبة كلية الصديلة، أو «بنت قويسنا» كما هو متداول، فكشفت الأجهزة الأمنية، ظهر اليوم، أنها عثرت عليها في القناطر الخيرية، حيث تقيم مع شخص ارتبطت به عاطفيًا عبر الإنترنت قبل 7 أشهر، بعد أن دخلت في خلافات عائلية مع والديها، وشقيقها الذي يداوم على ضربها؛ بسبب علاقتها به.
تشابه دوافع الهروب بين الفتاتين وضع علامات استفهام عدة حول تعامل الأسر مع أبنائها، كذلك أثار الاستغراب حول لجوءهما لترك المنزل دون أي رد فعل آخر، ما دفعنا لمحاولة فهم ما شهدته الساحة خلال اليومين الماضيين.
وفي هذا الصدد، تقول الدكتورة إيمان دويدار، استشاري الصحة النفسية وتعديل السلوك، إن هناك 3 أساليب لتعامل الوالدين مع الأبناء، الأول إيجابي، والثاني سلبي، والثالث عبارة عن شد وجذب لإحداث التوازن، وربما تكون الطريقة الثانية هي سبب في هروب الفتاتين عن أهلهما؛ نتيجة «القسوة الزائدة»، وتعرضهما لعدوان أسري.
وتوضح «دويدار»، أن العدوان الأسري، إما أن يكون ضربًا مباشرًا باليد، أو إهانة لفظية، أو إشارة، أو تهديدًا، وكل ما سبق هو يؤذي مشاعر البنت، وهنا تتساءل: «هل كل فتاة تتعرض لما سبق تترك المنزل؟ الإجابة: لا».
وتفسر «دويدار» لجوء الفتاتين للهروب إلى مرورهما بضغط لم تتحملاه، لكن بشكل عام كلما تعامل الآباء بـ«وحشية» مع الفتاة كلما رفضت ما تعرضت له بأساليب عدة: «ممكن كل حاجة يقولولها عليها ترفضها، أو تمنع الاكل، أو تنتحر، هي أساليب مختلفة حسب طبيعة البنت».
وعن توجه الفتاتين إلى شابين تعرفتا عليهما، توضح «دويدار» أن هذا يعود إلى إيهام هذين الشابين لهما بالعاطفة و«الطبطبة الوهمية»؛ لأنهما لم تعثرا على آباء يعملون على رعايتهما، حتى شعرتا أن الأسرة مصدر تهديد قد يفقدهما إنسانيتهما.
ما سبق وجد تأييدًا من قِبَل الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، إذ قال:” إن البيت من المفترض أن يكون بيئة آمنة، لكن ما أن يتحول إلى كارثة، ومنبع لسوء المعاملة من الطبيعي أن تكون النتيجة بهذا الشكل.
ويذكر «صادق»، أن معاملة النساء في مصر «سيئة» حسب رأيه، بجانب استعمال العنف ضدها، وهو ما يحدث أيضًا في الولايات المتحدة على سبيل المثال رغم وجود الحريات، ما يدفع المراهقات للهرب؛ بسبب العنف: «دي كارثة».
ولتلافي ما وقع، توجه «دويدار» إلى ضرورة الالتفات إلى الأخطاء التي تصدر عن الأب والأم في أساليب المعاملة السلبية، والتي بموجبها لجأت الفتاتان إلى الهروب، وتتابع: «لازم الأب والأم والبنت يقعد معاهم إخصائي نفسي لمعرفة الأسباب والدوافع اللي خلتها تهرب، كمان يقعد معاهم حد يكون البنت بتثق فيه من الأقارب، لمعرفة الغلط جه منين حتى لا يتكرر الفعل».
تشير «دويدار» إلى ضرورة توجيه الآباء، وإحاطتهم بأن هناك فروق فردية بين الأولاد والبنات، وبين الأجيال بشكل عام، كما أن طريقة الحوار تختلف من زمن لآخر، وبالتالي الإنصات إليهم مطلوب.
وركزت «دويدار» على ضرورة افهام الأسر بأن الفتاة في هذه المرحلة تميل إلى الاستقلال، وتمتلك عواطف ومشاعر مختلفة لتكوين أسرة، كما أنها في حاجة إلى أن يفهمها الآخرين: «أكثروا من الحوار معهم واتعرفوا عليهم أكتر.. ولادنا مش ملكية خاصة لينا، دول ملكية لذواتهم لنفسهم.. بس إحنا بنوجه ونربي ونعلم، وهما مش زينا».
فيما يصف «صادق» بعض الأهالي، بأنهم «مش متربيين» وفق قوله، مستنكرًا تعدي أب على ابنته بالخشبة، معتبرًا أن من يقدم على هذا التصرف هو «مريض نفسي».
ويرى «صادق» أن الفتاة في هذه الحالة تصاب بأمراض نفسية، وبالتالي أي شخص يتحدث معها بحنان وعطف عما تشاهده في المنزل يدفعها للهروب إليه.
وينصح «صادق» بضرورة معرفة دوافع هروب الفتيات، وأن يكف الآباء عن الأسلوب العنيف الذي يتعاملون به مع الأبناء: «دول مش لاقينهم في الشارع».
التعليقات لا توجد تعليقات
لا توجد تعليقات
إضافة تعليق