كتبت :وفاء عاشور
هى ملكة سبأ بإقليم اليمن ، من عبادة الشمس هى وقومها ، أتصفت بأنها ذو حكم وعرش عظيم ، بدأت قصتها عندما تفقد نبى الله سليمان -عليه السلام- لأحد جنوده من الطيور ، حيث لاحظ إختفاء الهدهد فتوعده بعذاب أليم .
قال تعالى: ﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: 20، 21].
فجاء الهدهد ليخبره عن الملكة” بلقيس” ملكة سبأ وعرشها العظيم ، وأنها وقومها يسجدون للشمس من دون الله لا يهتدون ، قال: يا نبي الله ﴿ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴾ [النمل: 23، 24] .
فأمره سليمان أن يذهب ويعطيها كتابه ليرى ما سيفعلون ، قال تعالى : {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴾ [النمل: 28].
قرأت بلقيس رسالة سليمان وعرضتها على قومها، التى أمرها فيها بأن يأتوه مسلمين، {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل: 29 – 31]
فطرحت الملكة على رؤساء قومها الرسالة واتصفت بعد ذلك بأنها محبة للشورى : ﴿ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ﴾ [النمل: 32].
وقررت بعد ذلك أن ترسل إليه بهدية لترى ردة فعله ، لكن سليمان -عليه السلام – رفض هدايتها ، وسأل مجلسه إن كان بإمكان أحدهم أن يحضر له عرشها قبل أن تصل إليه .
نظر سليمان إلى هدية الملكة، وأشاح ببصره؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ﴾ [النمل: 36]، وأفهم السفراء أنه لا يقبل شراء رضاه بالمال، ويستطيعون شراء رضاه بشيء آخر وهو: ﴿ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل: 31].
وعاد يتحدَّث ببطء: ﴿ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [النمل: 37]، ثم بعد ذلك صرَف الملكُ سليمان رسلَ الملكة، بعد تهديده الذي بدا أمام أعينهم فاجعًا وحاسمًا في نفس الوقت.
لكن أقبل سليمان عليه السلام على هدايتها بالرفض ، وسأل مجلسه إن كان بإمكان أحدهم أن يحضرله عرشها قبل أن تصل إليه ، والتفت لرجاله، ﴿ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل: 38]،
فرد عليه عفريت من الجن من ضمن الذين سخرهم الله تعالى له أنه قادر على إحضار العرش قبل إنتهاء المجلس الذى ينعقد لمدة ساعة أو ساعتين ، قال الله تعالى ﴿ قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴾ [النمل: 39].
وقال أخر ذكر فى القرآن الذى عنده علم الكتاب إنه يستطيع إحضار العرش فى رمشة عين ، فقال الله تعالى : ﴿ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ [النمل: 40].
لم يكد الذي عنده عِلم من الكتاب يقول جملتَه، حتى كان العرش مستقرًّا عند سليمان، استغرق إحضاره أقل من رمشة العين حين تُغلَق وتفتح، فأمر سليمان -عليه السلام- بإجراء بعض التعديلات على عرش الملكة بلقيس ، لكى يرى حين تأتي هل تهتدي إلى عرشها أم تكون من الذين لا يهتدون ، ففى قول الله تعالى ﴿ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ﴾ [النمل: 41].
أمر سليمان ببناء القصر ليستَقبل فيه بلقيس، واختار مكانًا رائعًا على البحر، وأمر أن تُصنع أرضية القصر من زجاج ثمين شديد الصلابة، وتَمَّ بناء القصر ومن نقاء الزجاج الذي صُنِعت منه أرض حجراته، لم يكن يبدو أن هناك زجاجًا ، ثم قال لها إدخلى القصر فرأت مياه وظنت أنها ستخوض البحر ، فكشفت عن ساقيها لكى لا تصل المياه إلى رداؤها ، لتتفاجئ بحديث سيدنا سليمان بأنه زجاج ناعم لا يظهر من فرط نعومته ، من بعد ذلك أعلنت إيمانها بالواحد الأحد .
ونستشهد على ذلك بقول الله تعالى فى كتابه العزيز :-
بسم الله الرحمن الرحيم {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(44).
التعليقات لا توجد تعليقات
لا توجد تعليقات
إضافة تعليق