- الإهتمام بالبحث العلمي ضرورة واحتياج أساسي
- الفيروس لا يملك أي سلاح سوى قدرته على المخادعة والمناورة ليصل لهدفه داخل الجسم
حوار : غادة مبارك
علم الباثولوجيا أو علم الأمراض، هو أحد أهم فروع الطب حيث يهتم بدراسة صفات الأمراض والتغيرات التركيبية وطبيعة الأمراض ووظيفتها وما تحدثه في أنسجة الجسم من تغيرات وردود أفعال وهنا يبرز دور علماء الهيستوباثولوجي علم الأنسجة تحديداً ولعل أزمة كورونا، التي يعانيها العالم منذ عامين ومحاولات كبار الدول والعلماء وبحثهم المستميت لأبتكار علاجات فعالة، تجعلنا نعيد التفكير جليا فيما تبديه دولتنا من إهتمام ضئيل وميزانيات محدودة للبحث العلمي والتعليم عموما، وضيفنا هو أحد الأساتذة والنابغين في هذا المجال إضافة إلى كونه أحد أبرز الكتاب والروائيين في السنوات الأخيرة الماضية وهذا ما ستوضحه لنا طريقته في الإجابة خلال السطور القادمة في حوار خاص لـ «شبكة يو دبليو إن الإخبارية» مع الدكتور “حسن السبيري” أستاذ الهستوباثولوجي وعضو هيئة الرقابة علي الأدوية.
أبدأ بسؤالي هل هناك فرق بين الفيروس والبكتيريا؟
نعم هناك فرق شاسع بين الفيروسات والبكتيريا، فالعوامل المسببة للأمراض تختلف اختلافا كبيرا فيما بينها، سواء في الحجم أو الشكل أو التركيب، فالبكتيريا تختلف تماما عن الفيروسات، وكلاهما يختلف عن الطفيليات والفطريات. فلو وضحنا أن البكتيريا عبارة عن خلية واحدة وأحيانا متعددة الخلايا إلا أن أغلبها غير ضار، أما عن فالفيروس فهو جزيء يقع على حافة الحياة بين الكائنات الحية والغير حية، ويعزى ذلك لتركيبه الذي يمثل غلاف خارجي صلب بداخله نتفة من حمض نووي، فهو أصغر بكثير جدا من أي خلية حية ومن البكتيريا أيضا، لدرجة أن هناك فيروسات تصيب البكتيريا وتتكاثر بداخلها، فلنا أن نتخيل الفارق العظيم في الحجم بينهما من هذا التشبيه البسيط.
كما أن الفيروس يظل عقودا صامتا جامدا متربصا دون تكاثر إلى أن يصيب فريسته ويغزو الجسم، أما البكتيريا فبخلاف ذلك فلها قدرة على التكاثر في بيئتها الطبيعية التي تعيش فيها ودون عائل.
ما وجهة خطورة الفيروسات عن بقية مسببات الأمراض الأخرى؟
الفيروس هو أخطر نوع من مسببات الأمراض، حيث أنه يمتلك القدرة على مناورة الجهاز المناعي للجسم حال أصابته الهدف، وقد يفقد الجهاز المناعي التعرف عليه إذا ما دخل الجسم.
كيف يفقد الجهاز المناعي قدرة التعرف عليه؟
يفقد القدرة لأن أجهزتنا المناعية تتكون في العادة من أجسام مضادة، تلك الأجسام بها نوع يعرف بـ خلايا الذاكرة المناعية، هذه الخلايا هي الصندوق الأسود الذي يوجد بداخله صور كافة المجرمين من بكتيريا وفيروسات اللذين دخلوا الجسم قبل ذلك واستطاعت الخلايا القتالية التصدي لها، فتقوم خلايا الذاكرة بالتقاط صورة وتحتفظ بها لهؤلاء المجرمين، حتى إذا ما تسلل مجرم من نوعهم سواء فيروس أو بكتيريا مرة أخرى فيتم الإبلاغ عنه فورا من قبل خلايا الذاكرة، حيث أن صورته مؤرشفة مسبقا .. وهذا ما يحدث في العادة مع فيروس الإنفلونزا مثلا… أما المشكلة فتوجد في الفيروسات المستجدة والتي تعجز الخلايا المناعية التصدي لها لأن خلايا الذاكرة ليس لديها صور في أرشيفها عن هذا النوع الجديد.
ومن ناحية أخرى هناك بعض الفيروسات حتى حال دخولها لا تستطيع خلايا الذاكرة التقاط صورة لها لوضعها من ضمن المشتبه بهم في أرشيف ها، حتى إذا ما دخل مرة أخرى تم الانقضاض عليه.
لماذا لا تستطيع خلايا الذاكرة رصد هذا النوع من الفيروسات؟
نعم لا تستطيع رصد هذا النوع كما يحدث في “كوفيد 19” مثلا، لأن هذا الفيروس الذي ينتمي إلى عائلة كورونا وله من أبناء العمومة الكثير، مثل ميرس الذي ظهر منذ 12 سنة، وسارس، كلاهما له القدرة على التخفي من الجهاز المناعي، وتحديدا كوفيد الذي يغير من معطفه الخارجي فور دخوله الجسم ليرتدي معطف مشابه لرجال قوات الدفاع عن الجسم، فالبتالي يستطيع هذا المجرم أن يتوغل من بينهم إلى أن يخترق صفوف دفاع كرات الدم البيضاء المكلفة بالبحث عنه، وريثما يصبح خلف صفوف الدفاع القتالية ينطلق لينهب من خلايا الجسم نهبا.
ما هي آليات دخوله للجسم، وما هي أسلحته التى يستخدمها للاختراق؟
الفيروس لا يملك أي سلاح سوى قدرته على المخادعة والمناورة ليصل لهدفه داخل الجسم، وبينما يصل انقلب من تمسكن إلى تمكن، أما قبل دخوله الجسم فأسلحته لا تتعدى افراز إنزيم ليخترق به خلية الجسم بعد التصاقه بالخلية المستهدفة، وهنا بالنسبة لكوفيد الخلية المستهدفة هي الأغشية المخاطية في الجهاز التنفسي العلوي، سواء الحلق أو الأنف… أولا يتعرف الفيروس بسهولة بعد استنشاقه مثلا على خليته المستهدفة، بل ويلتصق بنوع بروتين بها معين، وهنا تتم عملية القفل والمفتاح، بمعنى أن الفيروس يملك شوكة هذه الشوكة هي المعول الأساسي عند تحوره عادة، تلك الشوكة يقبض بها على مستقبل الخلية المستهدفة في جسم الإنسان، ويفتح الخلية كما يفتح الشخص منا باب غرفته أو شقته.
ولكن الفارق أنه لا يدخل بجسمه كله داخل الخلية، فهو فقط يبثق الحمض النووي المكون له داخل الخلية، ويبقى غلافه خارج الخلية ويذوب تركيبه. هنا يبدأ الحمض النووي للفيروس في أمتلاك زمام الأمور داخل خلية جسم الإنسان، ويسيطر على العقل المدبر لخلية الإنسان المخترق، بعدها يأمر خلية جسم الإنسان بحياكة بروتين خاص به بدلا من هذا الذي ذاب قبل دخوله الخلية، وبالفعل تبدأ الخلية في تنفيذ أوامره، وتصنع له بروتين خاص أو جسم جديد ” أي للفيروس”، ويأخذ بعدها في عملية التكاثر، داخل الخلية، إلى أن يستقر على عدد كاف من ذريته، بعد يقوم بثقب الخلية، فتنطلق ذريته ليصيب كل واحد منهم خلية جديدة، وتتكرر العملية مرة أخرى، يسيطر على العقل المدبر، ويتكاثر، وتتكر العملية المسبقة، وبعدما يزداد العدد مكونا جيشا من الذرية، يبدأ في الهجوم على أجهزة الجسم المختلفة.
ولكن هناك لحظة معينة يجب أن يمر بها الفيروس قبل انتقاله للإنسان وهي أن يقضي فترة حضانة في عائل وسيط أو حاضن.
ماذا تقصد بكلمة الحاضن أو العائل الوسيط؟
العائل الوسيط هو كائن حي يأوي الفيروس أو أي مسبب أمراض ليصبح جاهزا بأن يصيب أو ينتقل إلى الإنسان.
وفي النهاية: من المعترف به أن الأمراض المعدية تمثل تهديدًا عالميًا رئيسيًا لصحة الإنسان والتنمية المستدامة. صحة الإنسان وصحة الحيوانات (المحلية والبرية على حد سواء) والبيئة كلها مترابطة؛ لذلك، تحتاج إلى نهج صحي واحدة.
وكانت هناك فترة بين عامي 1960 و 1970 عندما كان من المتوقع على نطاق واسع أن عصر المضادات الحيوية واللقاحات سيقلل أو يقضي على الأمراض المعدية، ولكن كما نعلم الآن، فإن الميكروبات والفيروسات المستحدثة الجديدة تسعى وراء كل فرصة ممكنة للهروب من الحواجز التي أقيمت لمقاومتها وبالفعل انتشرت الجراثيم المقاومة للأدوية في 40 دولة وفي الهند وحدها يتغوط أكثر من 600 مليون شخص في العراء.
أظهرت لنا الإنفلونزا والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) وكوفيد أن الخوف من انتشار الأوبئة الجديدة واجب وضرورة، وتعتبر السيطرة على هذه الأمراض تحديًا عالميًا وتتطلب جهودًا وتضافر علماء البيولوجي في شتى تخصصات الهندسة الوراثية الميكروبية والفيروسية، وعلم الخلية والبيولوجيا الجزيئية الخاصة بالأحماض النووية للفيروسات ومسببات الأمراض وعلماء الامصال واللقاحات، من أجل فهم أصيل لدوافع التحور السريع الذي يحدث للفيروسات المستجدة عن ذي قبل لتصبح أكثر فتكا وشراسة.
التعليقات لا توجد تعليقات
لا توجد تعليقات
إضافة تعليق