كتبت : منار محمد
قال وزير الخارجية سامح شكري أن تعزيز العمل العربي المشترك بات أكثر إلحاحا في ظل استمرار النزاعات والتحديات المتعددة التي تعصف بوطننا العربي الذي يشهد تدخلات خارجية هدامة غير مسبوقة تؤثر سلبا على استقرار المنطقة العربية وتسعى لتقويض مفاهيم الدولة الوطنية وتأجيج النزعات الطائفية والمذهبية.
وقال شكري، في كلمة خلال الدورة العادية (154) لمجلس جامعة الدول العربية المنعقدة اليوم الأربعاء، “إننا نجتمع اليوم عبر الاتصال المرئي في ظل استمرار تفشي جائحة كورونا، والتي مازالت شعوبنا والعالم أجمع يعاني من تداعياتها على كافة المستويات، وهو ما يستوجب تكثيف التعاون بين دولنا العربية، وتعزيز العمل العربي المشترك بهدف تجاوز هذه الأزمة والحفاظ على المقدرات الاقتصادية والاجتماعية لشعوبنا”.
وأضاف أن “القضية الفلسطينية لا تزال هي قضية العرب المركزية، إلا أنها وللأسف، لا زالت بعيدة عن التسوية المنشودة .. وحتى ينال الشعب الفلسطيني الشقيق كامل حقوقه المشروعة ويتجاوز رواسب الماضي فلا بد من إنجاز حل مستدام وعادل للقضية الفلسطينية وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة ومبدأ حل الدولتين ومبادرة السلام العربية”.
وتابع “ولكي يتسنى تحقيق ذلك فلا بد من توافر الإرادة السياسية عند مختلف الفاعلين والأطراف، كما ينبغي التوقف تماما عن أي خطوات أحادية من شأنها تقويض فرص إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بما فيها أي مساع لضم أراض فلسطينية هي وفقا للقانون الدولي حق يتعين أن يسترده الأخوة الفلسطينيون ليقيموا عليها دولتهم المستقلة”.
وأوضح وزير الخارجية أنه وفي هذا السياق، فإن ما أoعلن عن تعليق الضم يعد خطوة مؤقتة يتعين تثبيتها للحيلولة دون طرح هذه المسألة مرة أخرى، فإلغاء الضم نهائيا من شأنه الحفاظ على مناخ نحتاج إليه جميعا للمضي قدما في محاولة استشراف أفق للحل، أما التهديد باتخاذ خطوات أحادية غير قانونية أو جعل سيف الضم مسلطا على رقاب الفلسطينيين، فهو يحول دون إيجاد المناخ اللازم لجسر الهوة الواسعة بين طرفي الصراع.
وفيما يخص ليبيا، قال سامح شكري إن الأزمة تستمر في ذلك البلد العربي الشقيق الذي ترتبط مصر معه بعلاقات وثيقة على كافة المستويات، وتنعكس مختلف التطورات فيه انعكاسا مباشرا على الأمن القومي المصري.
وأضاف “رأينا ورصدنا، كما رأى ورصد الجميع، التدخلات التركية المزعزعة لاستقرار ليبيا، والتي تنطوي على ممارسات من شأنها إطالة الصراع، ليس في ليبيا فقط، ولكن في المنطقة بأسرها، ومن ذلك انخراط تركيا الموثق في نقل المرتزقة والعناصر الإرهابية من الأراضي السورية، في مسعى لاستنساخ أوضاع أنشأها التدخل التركي في سوريا على الساحة الليبية، ضاربة بالمواثيق والأعراف الدولية عرض الحائط، سعيا وراء أمل زائف باستعادة ماض لم يحمل لمنطقتنا سوى عدم الاستقرار”.
وذكر أنه وفي مواجهة أطماع تركية تتبدى في شمال العراق وسوريا وليبيا بشكل خاص، فإن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي، بل وقد اتخذت موقفا نقدر للدول العربية الشقيقة دعمها له بقوة عندما أعلنت خط سرت الجفرة خطا أحمر لن تقبل أن تتجاوزه القوات المتصارعة أيا كانت هويتها .. وقد استثمرت مصر بنفس القدر أيضا في المسار السياسي الذي لا بديل عنه لتسوية الأزمة الليبية، فصدر إعلان القاهرة في شهر يونيو الماضي، والذي تضمن تصورا لا زال مطروحا لإطار التسوية السياسية في ليبيا، مستندا في ذلك على مخرجات مؤتمر برلين”.
واستطرد قائلا: “وفي هذا الإطار، ثمنت مصر إعلان وقف إطلاق النار الصادر عن مجلس النواب الليبي وعن السيد فايز السراج، إلا أننا نشدد في الوقت ذاته على ضرورة إنهاء التدخلات الخارجية، أيا كان مصدرها، ونزع سلاح الميليشيات، ودعم جهود مكافحة الإرهاب في ليبيا”. وبالنسبة لسوريا، أكد شكري أن التدخلات الخارجية مازالت تلعب دورا هداما، بهدف الإضرار بالأمن القومي العربي، قائلا “التدخلات التركية السافرة” التي يمكن وصفها بحالة الاحتلال – مستمرة في سوريا، ونؤكد هنا مجددا أنه لا بديل لاستئناف العملية السياسية بها، وصولا للتسوية السلمية الشاملة، تنفيذا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة”.
وفي اليمن كذلك، تستمر أيادي بعض الأطراف الإقليمية في محاولاتها العبث بالأمن القومي العربي، مما يشكل تهديدا مباشرا لأمن دول الخليج العربي.
وفي هذا الإطار، أكد شكري أن مصر تعيد التأكيد على ارتباط أمن الخليج وأمن البحر الأحمر ارتباطا مباشرا بالأمن القومي المصري، وعلى إدانتها الشديدة لكافة الهجمات التي تتعرض لها المملكة العربية السعودية الشقيقة وتضامنها معها، وكذلك على ضرورة تنفيذ كافة قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن رقم 2216.
وجدد وزير الخارجية تأكيده دعم مصر الكامل لجمهورية العراق الشقيقة في مواجهة الاعتداءات التركية المستمرة على حدودها، وتضامن مصر الكامل مع الحكومة العراقية في أي إجراءات تتخذها في مواجهة هذه التدخلات السافرة، قائلا “لقد كانت القمة الثلاثية التي استضافها الأردن الشقيق مناسبة للعمل على تعزيز منظومة العمل العربي المشترك مرة أخرى أمام التحديات المتزايدة التي نواجهها من الداخل والخارج، وهي التحديات التي تدعونا إلى إطلاق مشروع عربي شامل مبني على تحقيق المصالح والقيام بدور مؤثر على الساحة الإقليمية والدولية”.
وقال سامح شكري إنه إزاء ما يتعرض له لبنان الشقيق من أزمات متلاحقة آخرها الانفجار المروع الذي ضرب مرفأ بيروت، لم تكن مصر لتقف موقف المتفرج هنا أيضا، فعندما قمنا بتسيير جسر جوي حاملا رسالة حب ودعم وتضامن من شعب مصر إلى أشقائه في لبنان كان ذلك من منطلق القيام بواجبنا تجاه الشعب اللبناني ليس إلا، في الوقت الذي يستمر المستشفى الميداني المصري في بيروت في تقديم كافة أشكال الخدمات الطبية إلى الشعب اللبناني.
وأشار إلى الزيارة التي قام بها إلى لبنان في سياق الحرص على تأكيد دعم مصر لما قد يتخذه الأشقاء اللبنانيون من مساع في سبيل البحث عن المخارج السياسية من المأزق الحالي، وهو الحرص الذي يدفعنا للاستمرار في جهودنا تلك لمتابعة الوضع في لبنان حفاظا على هذا البلد المتألق بطبيعته وتنوعه وثقافته العميقة في وطننا العربي.
وثمن وزير الخارجية، مواقف الدول العربية الداعمة لمصر والسودان الشقيق في إطار المفاوضات الجارية بشأن سد النهضة الإثيوبي، وهي المسألة التي انعقدت من أجلها دورة غير عادية لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري في شهر يونيو الماضي، والتي صدر عنها قرار هام وحازم يدعم حقوق مصر والسودان في مياه النيل.
وفي هذا الإطار أعرب عن ثقة مصر في استمرار الموقف العربي الصلب في دعم هذه الحقوق التاريخية. كما توجه من هذا المنبر برسالة إخاء ومؤازرة للسودان الشقيق في مواجهة الفيضانات التي يتعرض لها، كما أؤكد استعداد مصر لتقديم كافة سبل الدعم لأشقائنا في السودان لتجاوز الآثار المدمرة للسيول والفيضانات.
وأعاد شكري تأكيد مصر على إيمانها التام بأهمية تدعيم كافة أطر العمل العربي المشترك والإيمان بأهميتها لمستقبلنا، اقتناعا منها بأن إعلاء الشأن العربي لا يمكن أن يتحقق إلا إذا سرنا على هذا النهج بالجدية اللازمة.
كما نعيد التأكيد على استعداد مصر وتطلعها الكاملين للتعاون مع كافة الدول العربية الشقيقة لإنجاح الدورة الحالية لمجلس جامعة الدول العربية.
وكان وزير الخارجية قد استهل كلمته بتوجيه التهنئة إلى بدر البوسعيدي على توليه منصبه الجديد كوزير لخارجية سلطنة عمان الشقيقة، معربا عن بالغ التقدير للسلطنة على حسن إدارتها لأعمال الدورة السابقة لمجلس الجامعة.
كما تقدم بخالص التهنئة للدكتور رياض المالكي، وزير خارجية دولة فلسطين الشقيقة على توليه رئاسة الدورة الحالية، معربا عن أصدق التمنيات له بالنجاح والتوفيق في إدارة المجلس الموقر.
التعليقات لا توجد تعليقات
لا توجد تعليقات
إضافة تعليق