مقال بقلم/دعاء عبد السلام
لم يكن الزمن قديمًا أكثر رحمة،
لكنه كان أكثر إنسانية.كنا نعيش على القليل، لكننا نملك الكثير من بعضنا.
الجيرة لم تكن مجرد بيوت متلاصقة، بل قلوب مفتوحة،
وأي أزمة كانت تُواجَه بجملة واحدة:
“إحنا معاك”… بلا سؤال، بلا حساب، بلا مصلحة.في الماضي، كانت المصيبة تُكسَر بنكتة،
والحزن يُحاصَر بضحكة،
وكان الناس يعرفون أن الوقوف بجوار بعضهم
ليس فضلًا… بل واجبًا.اليوم تغيّر المشهد.
البيوت أقرب، والقلوب أبعد.
الوجوه عابسة، والأيادي مضمومة،
والجدعنة أصبحت تهمة،
والطيبة مغامرة خاسرة.لماذا أصبحت الحياة باهتة ومخيفة؟
لأن الخوف تمدد في النفوس حتى صار أسلوب حياة.
خوف من الغد، من الفقر، من الخذلان،
فانسحب الناس إلى ذواتهم،
وأغلق كلٌّ بابه… وقلبه.لم تعد الأزمات تجمعنا،
بل صارت تكشفنا.
تكشف من كان يقف معنا لأنه “جدع”،
ومن كان يقف فقط طالما لا يدفع ثمنًا.صرنا نعيش زمنًا تُقاس فيه العلاقات بالمنفعة،
ويُوزَن فيه البشر بميزان الربح والخسارة.
من لا يضيف لك مصلحة… يُستبعَد.
ومن يحتاج دعمًا… يُتَّهَم بالثِقَل.الأقسى أن الندالة لم تعد تُستحى،
بل تُبرَّر.
والخيانة لم تعد صدمة،
بل “ظرف”.
أما الخير، فصار يحتاج شجاعة،
لأنه غالبًا لا يجد من يحميه.ومع ذلك…
ليس كل الناس سقطوا.
لكن الطيبين تعبوا،
فصمتوا.
انسحبوا بهدوء،
لأن هذا الزمن لا يرحم القلوب النظيفة.نحن لا نرثي الماضي حنينًا فارغًا،
بل ننعى القيم التي كانت تجعلنا بشرًا قبل أن نكون ناجين.نحن لا نطلب عودة الزمن،
بل عودة المعنى:
أن يكون الإنسان إنسانًا،
وأن لا تصبح الجدعنة استثناء،
ولا الدفء جريمة.ربما تغيّر الزمان…
لكن الحقيقة المؤلمة أن
بعض القلوب اختارت الندالة، لا لأن الزمن أجبرها،
بل لأنه منحها مبررًا



التعليقات لا توجد تعليقات
لا توجد تعليقات
إضافة تعليق