فى الثامن والعشرين من أكتوبر 1973 حلقت روح عميد الأدب العربى د.طه حسين إلى خالقها عن عمر يناهز 84 عاما استطاع خلالها أن يزيل الصدأ عن العقلية العربية بما قدمه من فكر وثقافة وأدب ومعارك فُرضت عليه فكان ندا لها، لن نتحدث فى الذكرى 49 لرحيل العظيم بالجسد فقط لأنه باق بما أنجز.


سنتناول الجانب الإنسانى فى المحب العاشق الكبير طه حسين الذى كتب مع نصفه الآخر «سوزان» أروع قصة حب لم ينصفها التاريخ، قصة فلاح كفيف فقيربسيط جمعه القدر بفتاة فرنسية ارستقراطية مبصرة، رأى العالم بعيونها، وشرب العلم من صوتها فكانت بالنسبة له «المعلمة» والصديقة والحبيبة التى حطمت من أجله كل القيود، ثم أصبحت الزوجة التى أثمرت له «مؤنس وأمينة»، قصة الحب التى جمعت بين طه حسين وسوزان لا تقل عن «روميو وجولييت، وكليوباترا وأنطونيو، وشاه جيهان وممتاز محل، ونابليون وجوزفين، ومارى وبيير كورى»، إلى آخر قائمة الذين خلدهم التاريخ.

 

قصة الحب التى جمعت بين طه حسين وسوزان تجسد قصة المستحيل، فهو مصرى مسلم من عائلة فقيرة وكفيف وجهه يحمل سمرة طمى النيل، وهى فرنسية مسيحية من عائلة أرستقراطية، مبصرة وشقراء بعينين زرقاوين، فهل أرسلها الله لتكمل الناقص لديه، وتسند ظهره، وتفخر به حتى أصبح العظيم الذى لن يتكرر؟

 

حتى بعد رحيله لم يتوقف الحب أو يتلاشى، فقد سجلت سوزان قصة حبهما فى كتاب «معك» الذى تقول فى الفصل الأخير منه: «كُنا معًا، دائماً وحدنا، قريبين لدرجة فوق الوصف، كانت يدى فى يده متشابكتين كما كانتا فى بداية رحلتنا وفى هذا التشابك الأخير، تحدثت معه وقبلت جبينه الوسيم، جبين لم ينل منه الزمن والألم شيئا من التجاعيد، جبين لم ينل منه هموم الدنيا من العبس، جبين مازال يشع ضوءًا ينير عالمى».

 

لنتأمل ما قاله «العميد» فى واحدة من رسائله لها: «بدونك أشعر أنى أعمى حقاً، أما وأنا معك، فإننى أتوصل إلى الشعور بكل شيء، وإلى أن أمتزج بكل الأشياء التى تحيط بى»، أليس هذا الحب كما يجب أن يكون؟!

تحكى «سوزان» فى كتابها عن طه حسين الإنسان والأب والزوج، ومعاركه الفكرية، تفاصيل كثيرة تستعيدها بعد وفاته بعامين فتقول فى بداية كتابها: «أريد أن أخلد للذكرى مستعيدة ذلك الحنان الهائل الذى لا يُعوض»، حنان فاض به طه حسين عندما سحره صوتها لحظة لقائهما الأول فى 12 مايو 1915 فى «مونبلييه» بفرنسا عندما كان يدرس بكلية الآداب، وهى هاربة من القصف الألمانى لتتلقى تعليمها، قرأت إعلاناً فى جريدة عن طالب أجنبى كفيف يحتاج قارئاً.