د. ضيو مطوك ديينق وول
بعد انهيار المدن التاريخية في السودان مثل الخرطوم ومدني ونيالا وجنينة بفعل الحرب، الفرقاء السودانيون يتجهون لاخطر مرحلة، التصعيد والانهيار الاخلاقي في ميادين القتال بحيث شهدنا افعال غريبة وسمعنا اقوال تحرمها الادبيات والاخلاقيات السودانية قبل الديانات السماوية وحتي القوانين الدولية التي تحكم قواعد الاشتباك في جبهات القتال تحرم هذه الافعال.
رغم ضراوتها، لم نسمع طيلة فترات الحروبات الداخلية في السودان-لاسيما الحرب بجنوب السودان-عن اغتصاب الفتيات والعجزة والرجال. ايضا دخلت ألفاظ مثل زعط ومعط وجقم وبل في قاموس ثقافة الحرب في السودان وشهدنا قطع رؤوس الأسرى في أرض المعركة واستعراض هذه الرؤوس المقطوعة في الطوابير كاظهار للبطولة والانتصار كما نشهد عهدًا جديدًا بميلاد شعر الحرب يشبه الشاعر محبوبته بمسيرات وراجمات وصواريخ وهو ابداع جديد ولدته ظروف الحرب في السودان.
يجب ان نتذكر بان هناك انتهاكات كانت تقوم بها بعض الجماعات المتفلتة كالمراحيل والجنجويد في بعض المناطق و يقال بانها من ارشاد الحكومة المركزية لكن ظلت الحكومة في الخرطوم تنكر هذه الانتهاكات بل تنسبها لهذه الجماعات الارهابية .
واذكر اثناء حرب الجيش الشعبي لتحرير السودان ضد الحكومات المتعاقبة في الخرطوم كان الجيش السوداني يضبط نفسه ويتحلى بقدر من المسؤلية و يضع الانسان في المقام الاول ويتذكر دائما المستقبل ويربطه بالماضي والحاضر املا ان يكون الغد افضل. شهدنا ايضا تسليم اسرى القوات المسلحة من قبل الجيش الشعبي بعد التوقيع علي السلام الشامل عام 2005 وشهدنا اصرار طرفي الصراع علي الحل السلمي واستعدادهما الجلوس علي طاولة الحوار رغم الدخول في اعنف المعارك وسقوط المدن لكن كان طرفا الصراع يصران علي الجلوس في طاولة التفاوض باستمرار وايضا حينما تتقابل القيادات في المنابر الخارجية لا تصدق بان هولاء هم الذين يتقاتلون في ميادين المعركة حيث كانوا يجلسون الي بعضهم ويتناولون الطعام معا ويتفقدون احوال اسرهم وسرعان ما يرجعون الي ميدان القتال او طاولة الحوار يشددون علي مواقفهم وهذا ما يستغرب منه الوسطاء الذين كانوا يديرون الحوار في المفاوضات السلام .
انا شخصيا لدي هذه التجربة بمدينة رميني الايطالية عام 2004 عندما وجهت الدعوة الي الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان وكنت علي راس الوفد الحكومي ويراس وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان الراحل دكتور سامسون كواجا مع اخرين في محاولة غير موفقة من الحكومة الايطالية لايجاد حبل التواصل لما كان يعتقدون بانهم فرقاء لا يستطيعون الجلوس وجها الي وجه ضمن برنامج مناقشة القضايا العالمية الساخنة الى جانب القضية الفلسطينية-الاسرائيلية في نفس المنبر ، كواحد من اعنف القضايا في العالم وفعلا وصلنا الي رميني في جو فيه الحراسة المشددة علي غرار القضية الفلسطينية-الاسرائيلية وتم ٠اقتيادنا الي قاعة الاجتماعات بحراسة مشددة من البابين المختلفين ولكن حالما وصلنا الي القاعة وشاهدنا انفسنا، كسرنا الحاجز وتدافعنا الي بعض وحاول الحرس ان يوقفنا من ذلك ولم يستطع فعل ذلك وعانقنا بعضنا في استغراب الكل داخل القاعة من هذا الموقف مما جعلهم يتسالون لماذا اتوا بهولاء الناس الي هنا اذ لم يكونوا اعداء ويعانقون بعض بعضا؟
هذا كان السودان. حاليا الفرقاء السودانيون لا يتحدثون الي بعضهم واذا حاول شخص التحدث لاخيه من الطرف الاخر، يتم تخوينه وقد ذهب الامر الي مستوي عدم مشاركة النزول في نفس الفنادق التي يقطنها مناصري الطرف الاخر والا سيتم تخوينك بانك اصبحت الجياشي او الدعامي احيانا يصل الامر الي تصنيف الوسطاء انفسهم بسبب بعض المواقف التي تتطلب الحياد .
يجب على القادة السودانيين ان يفهموا بان الحرب ستضع اوزارها ويمكن أن يتم اعمار ما دمرته الحرب لكن من الصعب صون الاخلاق لا يجب ان تقود الحرب السودان الى هذا المستوي إطلاقًا.
التعليقات لا توجد تعليقات
لا توجد تعليقات
إضافة تعليق