بقلم / سارة طالب السهيل

الشغف بالمستقبل  فطرة جبل عليها الانسان ، وهي مبعث أحلامه وطموحاته الشخصية ، وأداة من أدوات تعمير الكون والارتقاء به ، والعلم سبيل رئيسي في تحقيق هذه الطموحات  المستقبلية ، وبه تتكامل علوم الماضي بالحاضر بالمستقبل ، لذا وجدنا أفلام الخيال العلمي تنبش في ذاكرتنا الماروائية لتكشف أخيلة علمية هي موجودة في الاصل  في كوامن خلقتنا الاولى منذ ان خلق أبينا آدم وعلمه الاسماء كلها، فلا غرابة اذن ان تتحول افلام الخيال العلمي إلى حقائق واقعية على الارض ، فالعلوم كلها مكتنزة داخل الانسان  والتي قد تبدأ مراحل اكتشافها عن طريق التخيل ، ولكن العبرة في توظيفها لصالح الانسان أو تدميرها  له ، لذلك كانت الدعوة الصالحة ربنا علمنا ما ينفعنا  ، وانفعنا بما علمتنا .

والكثير من أفلام الخيال العلمي قد تجسدت لاحقا في علوم ومكتشفات عملية نافعة للبشرية ، والبعض الآخر وظف لأغراض شيطانية  لعل أخطرها ما يجري تنفيذه على مراحل من مخطط المليار الذهبي الذي يقضي على البشرية تارة بالأوبئة الفتاكة والفيروسات كما في وباء كورونا ، أو تغيير الجينوم البشري ، وتشجيع المثلية الجنسية لوقف التكاثر الطبيعي ، وتدمير البيئة بأدوات علمية معينة لتقليص الانتاج الغذائي وتجويع الشعوب وخفض مناعتها للإسراع بهلاكها بجانب الحروب المستخدمة للأسلحة الفتاكة وغيرها لحصد ملايين الأرواح بسبب هذه الحروب .  

هناك العديد من الأفلام السينمائية التي أثبتت قدرتها على توقع المستقبل وتخيل شكله كما نحياه اليوم عبر توقع ابتكار أجهزة تكنولوجية ، أو حدوث تغييرات اجتماعية ، مثل فيلم عرض ترومان- The Truman Showـ الذي  تنبأ ببرامج الواقع  من خلال قصة  “ترومان”، وهو جيم كاري ، مندوب المبيعات الذي يعيش حياته دون أن يعرف أنها مسجلة عبر برنامج واقعي، كل شيء فيها مخطط له بعناية من قبل الخروج ، وكل تجاربه مصطنعة.

والحقيقة ان هذا الفيلم  نجح في التنبؤ بتحولنا كلنا إلى “ترومان” ، وبدلًا من أن يسيطر مخرج برنامج على حياتنا سيطرت علينا كلنا التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي.

كما ان فيلم الكرتون مونستر إنك  monster inc الذي كان يحكي عن قصة استخدام الوحوش لتخويف الأطفال لان من صراخهم يتم انتاج الطاقة و هذا الفيلم تجسد على الواقع بأشكال عديدة رمزية من حروب و قتل واستغلال الأطفال و تدمير مستقبلهم من اجل مصالح شركات اعادة الإعمار او مصانع الاسلحة او لاهداف استعمارية توسعية او اقتصادية او استغلال الثروات كما ان هناك امرا غريبا مازلت لا افهمه و تبعاته عن ما يحكى من مدة عن جزيرة تستخدم الاطفال لعمل منتجات خاصة الموضوع عندي غامض وغير مكتمل المعلومات إلا انه ذكرني بقصة مونستر انك .

أما فيلم ملحمة الفضاء – A Space Odyssey ( ملحمة الفضاء ) للمخرج  ستانلي

كوبريك الذي استخدم في الفيلم المنتج عام 1968 جهازا يشبه الأي باد لم يكن موجودا في عصره ، وبه  خاصية “هال 9000” التي تشبه تطبيق “سيري” على هواتف “أي فون ” ، وهذا المخرج “كوبريك”  قد توقع  ايضا وجود سياحة فضائية في المستقبل ،

وبالفعل بدأت بعض الشركات الخاصة تخطط لإنشاء فنادق فضائية لاستقبال الزائرين .

وتنبأ فيلم  “ لديك بريد “ بالبريد الاليكتروني “ الايميل “ من خلال قصة توم هانكسوميج رايان وتبادلاهما المواعدة والتعارف عبر الإيميل ، بعد مرور عدة أعوام على ظهور الفيلم أصبح التعارف الإلكتروني أمرا اعتياديا .

أما فيلم ( العودة إلى المستقبل ) فقد نجح  في  جزئه الثاني في توقع نظارات الـ3D التي نشاهدها في السينمات ودور العرض ، وتحول الصور على الشاشة إلى عرض هولو جرامي .

وهذا الفيلم الذي عرض عام 1989 سعي لتقديم صورة للعالم في عام 2015، وانطلق أبطاله ليعشوا في المستقبل ويعلمون بعدم الحاجة إلى المحامين ، وامكانية تجفيف الملابس من تلقاء نفسها، وايضا التنبؤ بالطقس ووقت توقف هطول المطر وبعض التطبيقات التي تشبه جوجل وغيره .

وتحققت نبوءة فيلم ( رجل السلك ) بطولة النجم جيم كاري في تحقيق واحدة من اهم النبوءات التكنولوجية ، عندما استلقي بطله كاري علي طبق  الساتلايت قائلا : انه لن يمر وقت طويل قبل أن تدمج أمريكا الهاتف المحمول والكمبيوتر والتلفزيون جمعهم في جهاز واحد ، وحينها سيصبح بإمكاننا التسوق ونحن في المنزل ، وهو ما نعيشه في عالمنا اليوم بكل حذافيره .

مخاوف منتظره

النجم جيم كاري ايضا في فيلمه الرومانسي اللاحق ( إشراقة أبدية لعقل نظيف ) ينجح في التنبؤ بالمستقبل مجددا عبر محو الذكريات المؤلمة بينه وبين حبيبته بعد انفصالهما بقصة حب عميقة ـ فيقرر كاري محو كل ما يتعلق بحبيبته كيت من ذاكرته وكنا نظن ان ذلك محض خيال حتي توصل العلماء بجامعة تورنتو  عام 2017 وإلى اكتشافه بإمكانه محو الذكريات السيئة من المخ ، بعد إجراء تجارب على مجموعة فئران .

وبرأيي ، ان  اكتشاف العلماء القدرة على محو الذاكرة السيئة من حياتنا قد يبدو أمرا جميلا طبعا ، لكنه في نفس الوقت يحمل في طياته مكامن الخطر في قدرة العلماء أيضا على محو ذاكراتنا كلها ومن بينها ذاكراتنا الدينية والثقافية مثلا فلا  يبقى منها شيء لصالح أصحاب الاجندات الخبيثة في العالم وما أكثرها !

ومن منظور تجاري وأمني تحققت نبوءة فيلم “ الاستدعاء الكامل “Total Recall   وهو الفيلم الذي أجبر بطله أرنولد شوارزنيجر ، المرور عبر ماسح ضوئي كامل للجسم من جانب  أفراد الأمن . وبالفعل تم لاحقا  تجهيز المطارات بالعالم كله  بآلات مسح ضوئي لكامل الجسم يمكنها رؤية كل شيء عن أجسامنا في أقل  من  ثانية وكشف مدي حمل   الشخص لسلاح غير مشروع من عدمه .

في عام 1990 يتجلي خيال التكنولوجية الطبية  في الفيلم الميلودرامي  Darkman» للمخرج سام ريمي من خلال قصة حياة عالم لامع ( جسد دوره ليام نيسون ) ينطلق للانتقام من زعماء الجريمة الذين تركوه ليموت بعد أن أحرقوه حياً .

 فيكشتف  د. بيتون ويستليك طريقةً لإنتاج جلد اصطناعي ، تتيح إعادة بناء وجهه المشوه بعد الاعتداء عليه .

فقد تنبأ هذا الفيلم ،  بالتطور النهائي للطباعة ثلاثية الأبعاد كأحد  أبرز تقنيات المستقبل التي نعيشها اليوم .

خسارة البشر

على الجانب الآخر من أفلام الخيال العلمي المرتكزة على فانتازيا الفضاء ، فان الكثير منها يثير الرعب بقلب الانسان ويثير الذعر بشأن مستقبله وأمنه بل ومستقبل بقائه على الارض من عدمه لصالح كائنات أخرى ، وهو ما تجلى بعدد من نهايات بعض أفلام الرعب التي تعكس صراع الانسان مع المخلوقات الشريرة ، وبعد ان كان عبدا مكرما من الخالق العظيم سخر له الكون لخدمته صار عبدا للمخلوقات الشريرة التي تعوم فوقه  أو تسيطر على دنياه في انتصار ملحوظ للشر على الخير ودمار الارض وخرابها .

 هذه الخسارة البشرية نراها متجلية في  فيلم الكارتون WALL-E    إنتاج بيكسار

وإخراج أندرو ستانتون، 2008) وفيه يضطر البشر القادرون على النفاذ إلى كواكب  مصنوعة  الى ترك كوكب الأرض ، وتحول كوكبنا الي مزبلة يجمعها ويسيطر عليها الآلات التي ورثت هذه الارض .

 

كما ان مسلسل عائلة سمبسونز

 The Simpsons

و التنبؤات الغريبة التي تسبق الاحداث تجعلنا نتسائل هل البيضه قبل الدجاجة ام الدجاجة قبل البيضة و من الذي يسرب هذه المعلومات لمنتج المسلسل وما الهدف من هذا .

 

كما ان موقع امازون حاليا يطرح فيلما كرتونيا جديدا يصدر فيه ان الشيطان كان بريئا و مسكينا بتفاصيل صادمة و على الاغلب الهدف منها التمهيد لهدم القيم القديمة المتوارثة عن منظور الخير و الشر في وجدان الناس

 

وكذلك تؤكد أحداث  فيلم «لوغان» لجيمس ما نغولد (2017) ، خسارة البشر لحياتهم بجانب خسارتهم الارض التي يعيشون عليها أيضاً .

وفي معظم الأفلام التي أخرجها  رولاند إيميريش ، فان الدمار هو سيد الموقف المستقبلي  مثل فيلم « غودزيللا » (1998)، « يوم ما بعد غد (2004) و«2012» (المنتج سنة2009) الهجوم الآتي من أعماق البحار أو من أعماق الفضاء سيفني        الأرض البيت الأبيض ذاته سيدمر عن بكرة أبيه في «سقوط البيت الأبيض»(2013)

سينما الدمار

كانت افلام الرعب لهيتشكوك تصور تعرض الانسان لهجوم من الكائنات المحيطة بنا مثل الكلاب والضفادع والجرذان والأسماك بعد توحشها للفتك بالبشر وغالبا ينجح البشر في هزيمة هذه الكائنات والانتصار عليها ، بينما الكثير من افلام الخيال العلمي المعاصرة باتت تبعث برسائل احباط لبني آدم وتثبط من همتهم وقدرتهم على مقاومة مخاطر الكائنات المتوحشة في البرية أو وحوش الفضاء والآلات الذكية ، هذه الافلام باتت تكرس لضعف الانسان وفشله المحتم في حماية نفسه وتأكيد دماره ودمار أرضه  الا اذا اعتمد علي عبقرية الالة الذكية لصبح نفس انسان ونصف آلة روبوت ، كما في العديد من افلام ثمانينات  القرن الماضي كما في فيلم ول ڤرهوڤن RoboCopسنة 1987 حيث يتدخل العلم لإنقاذ حياة الشرطي أليكس (بيتر وَلر)       وتحويله إلى نصف آدمي – نصف روبوت لديه قوّة لا تقهر في مقاومة المجرمين و الانتصار عليهم .  

هذا يعني ان تكريس افلام الخيال العلمي للروبوت كحل وحيد بدأ في الثمانينات وتطوره اليوم للذكاء الاصطناعي فيه تدمير محقق لقدرات الانسان الذاتية على الابتكار وتحدي البقاء على الارض .

وهنا يمكن فهم أسباب تحقق افلام الخيال العلمي ، ولكن الكثير منها مخطط له بدقة عالية لقبوله فنيا وهضمه عقليا ونفسيا والاستسلام اللاحق لأهدافه بنعومة فائقة ، فرويدا رويدا يفقد الانسان وظيفته ومحل اكل لقمة عيشه لتحل الالة مكانه ، وتارة يفقد القدرة على تطوير مواهبه العقلية الا من خلال الآلة الروبوت التي تقوم بدلا بكل الوظائف العقلية والمهنية لتنهي على الانسان وتسقطه ارضا في انتصار ساحق للعقول الذكية الآلية على العقل البشري الذي ميز به الله تعالي الانسان علي جمع المخلوقات ، ولاشك ان تدمير الانسان هو نفسه تدمير للأرض وما عليها .

ووفقا  لمركز أمان الذكاء الاصطناعي فان  “إضعاف البشر” يعني أن البشرية  ” ستصبح معتمدة اعتمادا كاملا على الآلة ، وهو سيناريو شبيه بقصة فيلم وال-إي ” . الذي يصور البشر على أنهم حيوانات سعيدة لا تقوم بأي عمل على الإطلاق ، وتستطيع بالكاد الوقوف على القدمين بدون مساعدة ، في حين أن الروبوتات تنفذ كل المهام  والأعمال التي يحتاجونها .

في تصوري ، ان الكثير من أفلام الخيال العلمي سحبتنا في بحور أخيلتها المحبوكة دراميا ووظفت كل تقنياتها السحرية في تخويف الانسان من الكائنات والطبيعة ، و اظهار ضعفه في مقابل قوة الآلة وسيطرتها عليه فبدونها لا بقاء للإنسان حيا ، وانما بقاء انساني مستعبد للآلة فاقدا السيطرة علي عمله او زرقه او مكامن قوته .