كتبت:هبة ميلاد

سبقت حرب أكتوبر 1973 مجموعة من إجراءات الخداع الإستراتيجي لتضليل العدو ، إذ كان من المستحيل أن تتم كل استعدادات الحرب دون أن يلاحظ العدو ذلك ، خاصة و أن القوات المصرية كانت علي اتصال مباشر بالعدو،  ولا يفصلهما سوى قناة السويس ، كما أن القوات السورية كانت تحت الملاحظة المستمرة من جانب العدو، الذي يحتل مرتفعات الجولان و جبل الشيخ، و التي تشرف علي مناطق حشد القوات في المناطق المنخفضة.

و في ظل تعاون المخابرات الإسرائيلية و الأمريكية ، فلو أن إسرائيل علمت بنية القتال المصرية لبادرت بضربة وقائية عنيفة للقوات المصرية تجعل القتال أشد تعقيداً ، خاصة و أن العقيدة الأمنية الإسرائيلية تقوم علي ضرورة إعلان التعبئة العامة عند ملاحظة أي تحركات لقوات العدو تنطوي علي تهديد محتمل لأمنها، دون التطرق لنوايا العدو من هذه التحركات ، إذا كانت نية هجوم حقيقي أم مناورة حربية فقط.

و بالتالي فقد كان لزاماً علي القيادة المصرية أن تجري تحركات عسكرية ضخمة علي الجبهة بشكل منتظم ، و لأكثر من مرة قبل الحرب دون شن هجوم حقيقي حتى تفقد القيادة الإسرائيلية ثقتها في صدق التحركات المصرية ، و تعتمد علي تقدير النوايا المصرية ، و تتكاسل عن إعلان التعبئة العامة الذي يكلفها عشرة ملايين دولار في كل مرة ، و هنا تأتي الضربة المصرية الحقيقية

و لذلك فقد إتخذت القيادة المصرية أكثر من 65 بندا خداعيا في مرحلة ما يسمى بـ ضباب ما قبل المعركة أو خطة الخداع الإستراتيجى كان أهمها الأتى :

-إعلان الرئيس السادات أن عام 1971 هو عام الحسم دون حدوث أي شيء.

– تنفيذ مناورة عسكرية موسعة كمشروع تدريبي في النصف الأول من عام 1973 ، مما إضطر إسرائيل إلي إعلان التعبئة الجزئية تفادياً لأي مفاجآت مصرية ، و لكن الأمر لم يتطور إلي أي نوع من الحرب.

– توصيل معلومات مغلوطة إلي العدو الإسرائيلى تفيد بأن القوات المصرية ستقوم بعمل عسكري موسع في شهر مايو 1973 ، و أخرى تفيد بأن العملية ستكون في أغسطس 1973 ، مما جعل إسرائيل تعلن التعبئة العامة مرتين في حين كانت القوات المصرية في حالة استرخاء تام.

– الإعلان عن قيام القوات المسلحة المصرية بمناورة عسكرية موسعة بدءاً من أول أكتوبر و حتى 7 أكتوبر 1973 ، و أنه إعتباراً من يوم 9 أكتوبر يمكن للضباط التقدم، لتسجيل أسمائهم ضمن الموفدين في رحلة العمرة المصرية ، التي أعلن عنها في الصحف المصرية و داخل القوات المسلحة المصرية، و علمت بها إسرائيل عن طريق مخابراتها.

-إعلان التعبئة العامة للقوات المسلحة المصرية قبل الحرب بأيام قليلة ، بحجة المشاركة في المشروع التدريبي ، ثم تسريح عدة ألاف منهم ممن لن يشاركوا في الحرب ، وحجز المطلوبين للمشاركة فقط ، و بالتالي فقد تأكد لإسرائيل أنه مجرد مشروع تدريبي.

-تحريك القوات إلي جبهة قناة السويس بطريقة سرية ليلاً في فترات الظلام التام، ولاسيما العربات التي تحمل أجزاء كباري العبور.

-التعاقد مع إحدي الدول الأسيوية الصديقة لصيانة بعض القطع البحرية المصرية ، و الإتفاق مع السودان و اليمن الجنوبى على أن تستقبل هذه القطع البحرية في مينائي بورسودان و عدن في 5 أكتوبر خلال رحلتها إلي الدولة الآسيوية ، بحيث تصل القطع إلى مضيق باب المندب في صباح 6 أكتوبر 1973 ، مما يكفل لها القيام بإعتراض خطوط مواصلات البحرية الإسرائيلية ، و بذلك يصبح التأمين الإسرائيلي لشرم الشيخ بهدف تأمين الملاحة في خليج العقبة لا قيمة له.

-التوقف قبيل الحرب عن أعمال التخطيط و الاستطلاع حتى لا يكشف النقاب عن وجود نية لشن الحرب.

– تكليف وزير الخارجية المصري محمد حسن الزيات بعقد لقاء مع نظيره الأمريكي هنري كيسنجر، لإبلاغه برغبة مصر في التفاوض لإستعادة أرضها بشكل سلمي.

– توقيع الرئيس السادات في 4 أكتوبر 1973عقداً ، يسمح لشركتي البترول الأمريكيتين “موبيل و إسو” باستكشاف البترول في مصر.

– إنشاء إذاعة مصرية الإدارة عبرية اللغة من القاهرة ، تذيع الموسيقي و الأغاني الغربية لجذب اسماع الشعب الإسرائيلي إليها ، ولا تتحدث عن عداء لليهودية أو الصهيونية ، و تؤكد علي أن الشعب المصري ملتزم بوسائل الأمم المتحدة السلمية لاستعادة أراضيه المحتلة ، و أنه يريد السلام و البناء ولا يريد الحرب.

-ظل رجال موجة العبور الأولى قابعين في أماكنهم الحصينة و خنادقهم بكامل أسلحتهم و معداتهم لمدة زادت عن 12 ساعة ، دون أن يرفع أحدهم رأسه، فيراه العدو بكامل معداته و ملابسه الميدانية ، وقد صرح موشى دايان قبل الحرب ساخراً من الجيش المصري قائلاً :” يمكنك أن تعرف أن المصريين سوف يحاربون إذا رأيتهم يلبسون خوذاتهم ، و قد استفادت القيادة من هذا التصريح بأن أمرت بألا يرتدى الجنود خوذاتهم إلا قبل ساعة الصفر بخمس دقائق فقط ، في حين ظلت باقي القوات حتى أخر لحظة لا تبدي أي استعداداً أو توتراً ، بل خُصِصَت منهم جماعات للاستحمام في مياه القناة ، و غسل الملابس ، و جماعات أخرى تسترخي تحت أشعة الشمس ، و أفراد يقومون (بمص القصب) ، أو ممارسة الألعاب الرياضية ، و هو ما شاهده دايان بنفسه عند زيارته للجبهة في 6 أكتوبر 1973 قبل اشتعال الحرب بساعات قليلة.

– إختيار ميعاد الحرب ليكون يوم السبت 6 أكتوبر ، الذي صادف يوم كيبور أو عيد الغفران لدي اليهود، و إختيار ساعة الصفر لتكون 14:05 _ الثانية ظهراً ، و هو ميعاد غير معتاد لبدء القتال، فالتقليدي أن يبدأ القتال مع أول ضوء أو مع آخر ضوء من اليوم.

– حدثت معركة جوية سورية إسرائيلية في 13 سبتمبر 1973، أدت إلي توتر الموقف بين البلدين فاستغلت القيادة السورية الموقف، و حشدت قواتها تحت أعين الإسرائيليين ، و كان ذلك في إطار عمل دفاعي تقليدي في ظل توتر الموقف.