كتبت : إسراء عماد 

في مكانٍ مظلم، حيث تتبدل الأدوار، فيتحول المبصر إلى كفيف، والعكس، ففي الوقت الذي يستغنى المبصر عن حاسة «البصر»، التي يعتمد عليها بشكل كُلّي تقريبًا، يُصبح صوت المُرشِد الكفيف بمثابة شعاع من النور، يساعده على الحركة، تلك التجربة في معرض بعنوان «حوار في الظلام- dialogue in the dark»، والذي يُحاكي حياة الكفيف، اليومية بأدق تفاصيلها؛ ولأن اليوم 26 أكتوبر، هو الذكرى الأولى  لافتتاح المعرَض، توجهت «شبكة يو دبليو إن الإخبارية»، حيث المكان المُخصَص للتجربة، للحديث مع بعض أفراده.

وبدأنا الحديث مع «منة أشرف»، مسؤولة التسويق بالمكان، والتي قالت: “بدأنا العمل على فكرة المعرض من 3 سنين، وانطلقت الفكرة يوم 26 أكتوبر، 2019، والمشروع تابع ل«جمعية النور والأمل للكفيفات»، ومُدَعَّم من مؤسسة «drosos» الألمانية”، وأكدت على أهمية دور المُرشِدين المكفوفين قائلة : “المُرشِدين المكفوفين هم أساس التجربة، وأثناء الجولة، الزائر بيستغنى عن أكتر حاسة بيستخدمها في حياته اليومية، وبيبدأ يعتمد على مجموعة أدوات بجانب وجود «المُرشِد الكفيف»، وهي عبارة عن «العصا البيضاء»، والحواس الأخرى المتمثلة في « اللمس، السمع، والتذوق، والشم»”، وعن هدف التجربة قالت : “هدف التجربة هو عدم الشعور بالشفقة، عند رؤية الكفيف؛ لأنه يفتقد لوجود حاسة واحدة فقط، لكنه يستخدم جميع الحواس الأخرى بشكل جيد جدا، وكذلك رفع درجة الوعي للانتقال من مرحلة الشفقة والعطف، إلى الفهم والتقبُل، وتابعت: “وبتتبدل الأدوار، فبعد ما اتعود المبصر على مساعدة الكفيف، الكفيف هو اللي بيساعده يستكشف العالم المحيط بيه، وهو اللي بيقدر ينقل الزائر من حالة الخوف والقلق من الظلام، لحالة الفضول لاستكشاف المكان الذي يتواجد فيه”.

وكشفت «منة»، عن المبادرات التي أطلقها المعرض أثناء الغلق، خلال جائحة «كورونا»، فقالت:  “وجدنا إن المحتوى التوعوي عن «كورونا»، محتوى بصري، لا يستطيع الكفيف أن يستفيد منه، فقررنا إطلاق مبادرة بعنوان «الكورونا مبتفرَّقش»، أنتجنا خلاله مُحتوى سمعي وبصري وبلغة الإشارة، ليُفيد جميع الفئات من «المكفوفين والصم والبُكم»، كما أطلقنا مبادرة بعنوان «كل نور بيفرق»، وهي عبارة عن جزئين الجزء الأول ومستمر حتى الآن وهو «عيادة اونلاين»، يوجد بها مجموعة من الأطباء المتطوعين بعلمهم ووقتهم، لتقديم الدعم النفسي للمكفوفين، وأطلقنا تلك المبادرة بعدما رأينا منشور لأحد المكفوفين يشعر فيه بالإحباط، بتحوُل حاسة اللمس من مصدر أمان، كبديل للبصر، إلى مصدر شديد الخطورة ؛ بسبب «الكورونا»، بالإضافة إلى قلة عرض فرص المُساعدات على الكفيف، أثناء سَيره في الشارع؛ لأن الجميع يحرص على تطبيق التباعد الاجتماعي، خوفًا من الفيروس مما ضاعف شعور الكفيف بالعزلة عن المجتمع”.

أما الجزء الثاني من المبادرة فهو بعنوان «تشبيك»، ويقوم خلاله المبصر الذي يسكن في منطقة قريبة من الكفيف بمساعدته بتوصيل طلاباته التي يحتاجها بشكل دوري إلى منزله، كي لا يُعَرِّض نفسه للخطر، إذا خرج إلى الشارع، واستخدم حاسة اللمس، لكن هذا الجزء توقف بانتهاء الحظر وأوضحت «منة»، في نهاية حديثها أنه مَن يرغب في التواصل لحجز جولة، يمكنه الاتصال على الرقم ” 01062695649″، أو إرسال رسالة عبر صفحة «dialogue in the dark»، على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، من خلال الرابط التالي “https://www.facebook.com/didegypt/?refid=12″.

ثم التقينا اثنين من المُرشِدين المكفوفين، أولهما «محمود أنور»، المُعيد بكلية الألسن، جامعة عين شمس، والذي تحدث عن التجربة فقال: ” أجريت “مقابلة شخصية”، في أبريل، عام 2019، للاتحاق بالمعرض، وقمت بإجراء جولة صغيرة جدًا، كنت خلالها قائد لأحد المُدرِبين، إذ كنا نتدرب على يد مجموعة من لمتدربين الألمان، وأثناء الجولة، وجه لي المُدَرِب بعض التعليمات، التي كان منها: «عدم الإمساك بيد من أقوده»، والاكتفاء بتوجيهه بصوتي فقط، بالإضافة إلى تقديم وصف دقيق للمكان الذي تواجدنا فيه، وكذلك استخدام «العصا البيضاء».

وتابع «أنور»: “من المواقف التي حدثت أثناء الجولة، سألني المُدرِّب عن كتاب، كان موجود في المكان، وعندما أجابته أن الكتاب اسمه «حول العالم في 200 يوم»، لكاتب مصري كبير اسمه «أنيس منصور»، اندهش فور علمه بمعرفتي بتفاصيل الكتاب”،وأضاف:  “بعد المقابلة الشخصية، تواصلو معنا لبدأ التدريب، للعمل كمُرشِد للزوّار داخل المعرض، وأثناء التدريب تعمد المُدرِبين وضعنا في جميع المواقف التي يمكن أَن تؤثر علينا سلبًا أثناء العمل، فتعمدو افتعال ضوضاء شديدة مثلا، حتى نتعلم كيف نسيطر عليها دون أن نشعر بالتوتر،والتصرف مع الزائر المزعج باحترافية، كما حصلنا على جلسات أهلتنا للتعامل مع السَيكولوجيات المختلفة للزوَّار، فمنهم مَن يُعاني التوتر، والفوبيا من الظلام، كما تعلمنا كيفية التعامل مع مُتحدي الإعاقات الأخرى مثل الإعاقة الحركية”.

وعن بداية التجربة أشار «أنور»، إلى أنه كان يوجد أربعة أشخاص من المكفوفين وهم :المُرشِد الأساسي، الذي يُرافِق الزائر المبصر، و«الظل»، وهو المسؤول عن إخراج الزائر من الجولة، إذا حدث منه أي تجاوز داخل الجولة،  وذلك حال قيام الزائر بافتعال مشكلة مع زائر آخر، أو خالف الزائر تعليمات المُرشِد، أو فتح أحد صناديق الإضاءة المُثبَّتة على الحائط؛ لأنه بذلك يُفقِد باقي الزائرين مذاق التجربة وهدفها، وكذلك يساعد الزائر إذا تأخر في السير عن المُرشِد وباقي أفراد الجولة، كما يوجد شخصان مسؤولان عن تقديم الطعام والشراب للزوَّار في الغرفة المُخصَصة للراحة نهاية الجولة، أما الآن، فالمُرشِد فقط هو مَن يقوم بالجولة كاملة بمفرده.

وقال «أنور»: “من المواقف الطريفة، أن الزوَّار أحيانًا ما يُخرِجون طاقاتهم داخل الجولة، ففي إحدى المرات، جاءت زائرة، تُحِب الغناء، وبمجرد دخولنا الغرفة المُخصَصة للراحة شرعت في الغناء، حتى انتهت الجولة”، وتابع: “من المواقف التي أذكرها أيضًا مجئي مجموعة من الزائرين من مركز «قويسنا»، بمحافظة المنوفية، وبعد انتهاء الجولة، قامو بتقبيل أيدينا، لكننا رفضنا ذلك وشكرناهم، وأوضحنا لهم أن الجولة تهدف إلى إدراك أن الكفيف، شخص عادي تمامًا، يستطيع أن يفعل كل شيء، ولا داعِ للشعور بالشفقة تجاهه”.

وروى «أنور»، موقف آخر قائلا: “منذ فترة دخلت جولة مع أربعة «شيفات»، استمرت حوالي ساعة و45 دقيقة، وعندما سألتهم كم استغرقت مدة الجولة؟، قالو أنها استمرت 10 دقائق، فأدركت حينها أن المبصر يحسب الوقت بعينيه، وليس بإحساسه”، وأضاف : “من الطريف وجود أشخاص، لديهم الفضول لإعداد الطعام والمشروبات الساخنة لأنفسهم، فيقومون بذلك في نهاية الجولة، وينجحون بالفعل، ولكي لا يتعرضون للأذى أثناء تحضير المشروبات الساخنة، يستعينوا بجهاز صغير يضعونه فوق الكوب، لإعطاء إنذارًا لهم يُفيد بامتلائه أثناء صب المشروبات”.

وثانيهما «نادية حسن»، وهي إحدى المُرشِدات بالمعرض، وتحدثت عن التجربة قائلة : “المكان هنا بيكشف شخصية الكفيف، لما حد بيدخل التجربة وبيتقمص الشخصية بيعرفها أكتر من ما حد يحكيله عنها، بيقدر يعرف الكفيف ازاي بيتصرف في المواقف المختلفة، وممكن يعرف حاجات متتحكيش بدخوله التجربة”، وتابعت: “أنا كحد من المكفوفين اكتشفت صفات في شخصيتي مكنتش اعرفها، واتعرضت لمواقف في الضلمة مكنتش مدركة إنها بتحصلي، وبتحصلي ليه؛ مثلا الخوف من اني ألمس حاجة موجودة؛ لأن في احتمالية أنها تكون مؤذية، فالتجربة بتجرَّأَني أكتر اني ألمس الحاجة اللي موجودة من غير خوف”.

وعن المواقف التي تحدث خلال الجولات، قالت «نادية »: “مرة جتلنا زائرة قلقانة تدخل، خرجتلها وأقنعتها وطمنتها إني هكون معاها طول الرحلة، وفعلا دخلت لما اتطمنت وفرحت جدا بالتجربة، واتجرأت وخدت على جو المكان”، وأضافت: “من أكتر المواقف المزعجة بالنسبالي، صوت الأطفال بيكون عالي جدا، ومبيدونيش فرصة أتكلم وأشرحلهم حاجة، فاضطريت مرة أقولهم:  “أنا المُدرِّسة بتاعتكو” عشان يسكتو”.

وحول التعليمات التي على الزائر اللاتزام بها أوضحت «نادية»، أنها تتمثل في عدم دفع الزائر لمَن حوله في الجولة من أقرانه الزائرين، وعدم رفع «العصا البيضاء»، التي يستعين بها أثناء الجولة، حتى لا يأذي أحد، وكذلك عدم المبادرة بفتح أي أبواب مغلقة دون توجيه المُرشِد، حتى يستفيد بالجولة، ويشعر بمتعة التجربة.

واختتمت «نادية »، كلامها قائلة: “من أكتر الجولات اللي استمتعت بيها، جولة المذيعة والممثلة «شيرين عرفة»، والممثل «عمر الشناوي»، «عمر»، كان جريء جدا، وكان عارف كل حاجة، وكإنه مش أول مرة يجي المكان، فمتوقعتش إنه هياخد على المكان بسرعة كده”، وتابعت: “عمري مازهقت من جولة، حتى لو حسيت إن الزائر زهقان، بفضل أحاول معاه، عشان لازم أوصل الرسالة كما يجب أن تكون، وعشان يستفيد لشخصه هو ، مش لأي حاجة تانية، فيعرف ازاي يتصرف في الضلمة لو النور قطع ويساعد نفسه”.